رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن سورة الإنشقاق بين الخوف والرجاء

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن سورة الإنشقاق بين الخوف والرجاء



 رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن سورة الإنشقاق بين الخوف والرجاء

بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
تتناثر الروعةُ في مفردات السورة الكريمة كقطرات ندى تُنعش الروح العطشَى، وترتجف الروح لهول ما سترى وستسمع: ﴿ إِذَا السَّمَاءُ انْشَقَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ * وَإِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ * وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ ﴾ [الانشقاق: 1 - 5]، تبدأ الأحداث بفعل ماضٍ لأحداث ستقع، وهي بحكم الواقعة، وتؤكد الفعل بتكرار الفعل المبني للمجهول/ المعلوم، وأي معلوم أحق بالمعرفة من الله؟ وأي جاهل يجهل معرفته - سبحانه - وقد نطق الكون كلُّه باسمه؟
ويأتي الخطابُ للإنسان بمحيطه الذي يعرفه، وبيئتِه التي يألَفُها من سماءٍ وأرض وبشر، تنشق السماء، وتمتد الأرض، وبعضُ البشر لا تنشق فطرتُهم عن لبِّها، وتطغى القشورُ حولها، فيكون الكفر والفجور، لِمَ؟
أليست هذه الأرض التي نكدح فيها وعليها؟ أليست هذه السماء التي يستظل تحتها؟ هذا العالمُ الذي حولك أرض وسماء، ومن أجلها، ومن أجل الكدح فيها، قد تخالف فطرتك؟ أوليست هذه السماء التي تتمنى علوها، وتسمو لارتيادها واكتساحها؟! ها هي قد انشقت، وهذه الأرض التي تتخاصم مع إخوانك حولها، وقد تَقطع رحِمَك من أجلها، وقد تفعل أشياء أفظع من ذلك لامتلاكها، حسنًا، كل ذلك سينهار ويتغير، فالسماء غير السماء، والأرض غير الأرض، إنه يوم الحساب، يوم لا كالأيام.
وأحداث القيامة من انشقاقٍ للسماء واتساعٍ للأرض، أرض المعاناة والكدح والشقاء الذي نراه أو نكابده، فالسماء غير السماء المألوفة بنجومها وألَقِها، والأرض غير الأرض الزاهية بأشجارها وناسها، ودوابها وكنوزها الدفينة، الثمينة منها والرخيصة.
وكما ينشق بعض البشر على فطرتهم، تُدخِلنا السورةُ الكريمة في بعض أحداث يوم القيامة، فالسماء قد انشقتْ، وتغيَّرتْ بإذن الله، واستسلمت لحق الله عليها في الطاعة والتلبية لأمرٍ قد قدر، والأرض اتسعتْ وتغيرت وألقَتْ ما في أحشائها من بشرٍ وحجرٍ وغيره، وتخلَّتْ عن قبورها وكنوزها وحجارتها، وتخلت عن ما فيها، لمن الملك اليوم؟ لله الواحد القهار، لله رب العالمين، والبشر أين هم من كل ذلك؟ أين كدهم في الحياة طلبًا للمستديرين: الفلس، ورغيف الخبز؟ أتى يوم الحساب، ذلك اليوم المنتظر، ذلك اليوم الذي لا بد قادم، إنه يوم الحساب، هو يوم اللقاء، وقد تكون الراحة أو التعب، اليمين أو الشمال، السعادة أو الشقاء؟ بعض البشر لم يُسلِم لله، بل عاند وكفر وظن أنْ لا جزاء، وإن هي إلا دنيا تُعاش، ويعبُّ فيها من اللذّات حلالها وحرامها، فمن أنت أيها الإنسان؟ ألست تمشي على الأرض كادحًا؟ وتنظر للسماء متأملاً؟ سوف تلقى خالقَك ربَّك ورب السماء والأرض، ورب كل شيء؟ عندها بِمَ ستلقاه؟ وبأي يد ستأخذ كتابَك حصيلة أعمالك؟
﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ [الانشقاق: 6]، فالجميع مجموعٌ ليوم لا ريب فيه.
ويأتي الخطاب للبشر مخاطبًا إنسانيتَهم، التي ما تلبث تكدح في الحياة شقاء ولهوًا: ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ * فَسَوْفَ يُحَاسَبُ حِسَابًا يَسِيرًا * وَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ مَسْرُورًا ﴾ [الانشقاق: 7 - 9]، السرور الحق: هو السرور بعد التجاوُز عن أصحاب اليمين، هي السعادة الأبدية التي لا شقاء بعدها أبدًا.
﴿ وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ * فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا * وَيَصْلَى سَعِيرًا * إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا * إِنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ * بَلَى إِنَّ رَبَّهُ كَانَ بِهِ بَصِيرًا ﴾ [الانشقاق: 10 - 15].
وفي المقابل هناك من أخذ كتابه مخزيًّا، نادمًا، خاسرًا، وحاول أن يخفي شعورَه بالخزي، فأخذ أعماله بشماله ومن وراء ظهره، والنار تنتظره متلهفة لعذابه، فقد ظن أنه لن يلاقي ربَّه، ولن يحاسب؟ آه إن الله به بصير، فكيف يظن أنْ لا حساب يوم الحساب؟!
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِالشَّفَقِ * وَاللَّيْلِ وَمَا وَسَقَ * وَالْقَمَرِ إِذَا اتَّسَقَ * لَتَرْكَبُنَّ طَبَقًا عَنْ طَبَقٍ ﴾ [الانشقاق: 16 - 19]، ويأتي القسم قويًّا مؤثرًا بظواهر كونية نراها يوميًّا، وتكون مدعاة للتأمل والتفكر، شفق أحمر، وغسق أسود، وقمر أبيض، ألوان من الجمال، ألوان من البِشْر، ألوان من تغيُّر الأحوال، الكون يناديك بألوانه، بتقلباته وتناقضاته، كل هذا ولا تؤمن بالله؟ ويقرأ القرآن فيقر المؤمن بعظمة خالقه، فيسجد للواحد الأحد، ويكفر الكافرُ، ويكذِّب الرسلَ، فالبشرى له لكن بعذاب أليم، والله أعلم بمن آمن ممن كفر من البشر، أما من آمن، فله أجرٌ غير محدود: ﴿ فَمَا لَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * وَإِذَا قُرِئَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنُ لَا يَسْجُدُونَ * بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ * وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُوعُونَ * فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ * إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ﴾ [الانشقاق: 20 - 25].

اكتب تعليق

أحدث أقدم