رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي ورئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين يتحدث عن الإسلام ومبادىء العصر
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
مستشار مركز التعاون الأوروبي العربي بألمانيا الإتحادية
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الشباب
مما لاشك فيه أن الوجود كالعين الصافية، يتراءى بكل معانيك ومعاني غيرك، تتراءى فيه الفصول أربعة، في توالي لحظاته، ومختلف بقاع أرضه كما تتراءى فصول السنة، فلا غَرْوَ أن تختلف الدعوة إلى الحياة، وأن يتفرق فيها الناس مذاهب، وأن يكونوا جميعًا يشعرون ويظنون بأنهم يرمون إلى غاية واحدة، هي تبيان حظ الإنسان من الحياة وما هو أَولَى به، ما دام العيش نصيبه.
وما استعرض ناظر هذه الأقوال إلا رأى عجبًا.
فهذا أبو نواس يدعوك لعبثه فيقول لك:
رضيت من الدنيا بكأس وشادن
تحير في تفصيله فطن الفكر
وذاك أبو العتاهية يقول لك:
حسبك مما تبتغيه القوت
ما أكثر القوت لمن يموت!
وذلك أبو الطيب يقول لك:
دع النفس تأخذ وسعها قبل بينها
فمفترق جاران دارهما العمر
ولا تحسبن المجد زقًّا وقينة
فما المجد إلا السيف والفتكة البكر
ولا تسمع هذه الأقوال حتى تخترق سمعك أنه أحاطها الموت بإطاره المظلم الأليم تردد قول أبي العلاء:
هذا جناه أبي علي
يَ وما جنيت على أحد
بل لو نظرت إلى الدعوة الواحدة، لرأيت لها صورًا مختلفة، فأنت تسمع دعوة أبي نواس إلى الخمر وتسمع دعوة ابن الخيام، ولكنك تجد في نظريتهما اختلافًا، فالأول ماجن يَبسِم إذ يدعوك، والثاني قانط تراه عابسًا يتكلف الابتسامة فلا تجيبه، ومثل ذلك ما تجده في زهد الزاهد، فمن متشائم قانط لا يرى في الحياة ما يجذبه، ومن قانع آمل يريد جنة وخلودًا.
ولو ذهبت أعدد أقوال الخاصة بلْه العامة في الحياة، لاستفاض القول ولَما اتسع العمر بَلْه المقال للتنقل من أمة إلى أمة، ومن زمرة إلى زمرة، فثمة أدباء وحكماء وعلماء على اختلاف مشاربهم، وثمة رجال سياسة ودين على اختلاف منازعهم، وثمة خلق كثير لا يخرج السامع لأقوالهم إلا بدهشة المتحير، فلا يصدر من هذا الخضم - (من أراد أن يعتبر) - إلا ظامئًا، يقول: أنا إلى نغبة الطائر أحوج...؛ لذلك فإني أمر بهذه الأقوال سريعًا خشية أن أعْلَق بشَرَكها، وأقتصر منها على آراء من يقسر الحياة ويحمل عصا الراعي من ورائها، فأنظر فيها قليلاً.
إن في العالم فكرتين تقتتلان، ترى صرعاهما في ساحة إسبانيا - (أندلس أمسنا وفردوس تاريخنا المفقود) - فكرة الشيوعية الحمراء، وإلى جانبها حمل (الديمقراطية)، وفكرة الطغيان الفردي (الدكتاتورية)، والسلطة العسكرية.
إني أرى (الفرد) وأرى (الجماعة) يتلاحمان في سبيل رخائهما وسعادتهما، (إن صح أن للسعادة في هذا المقام معنى)، هذه تقول: أنا (الكل) (وأنت الجزء)، وذاك يقول: أنا (الأصل) وأنت (الفرع)، واختلف السيد والمسود، والتابع والمتبوع، فلا تدري أيهما الدماغ الآمر، وشهوة كلٍّ تملأ قلبه، وتُلهب أنفاسه، وتشد أعصاب الملحمة.
كلٌّ يزعم أن غاية منهجه الإنسانية وارتقاؤها، والإنسان وسعادته.
الألوهية (بنازيتها وفاشيتها) تقول: ثقافة وحضارة وخيرات، كلها من هباتي، والمردة (بشريعتها وديمقراطيتها) تقول: إنسانية أصون كرامتها، وفقر وجهل ويأس كلها آفات أُقاتلها وأدفع شرها!
وهكذا سلاح يصاول سلاحًا في معمعة، ولسان يقارع لسانًا في خطبة، مع أن مرد الغايتين بدعواهما واحد، ومتجه المتصادمين بزعمهما قبلة واحدة.
وما دام منشأ الحركة فكرة، فقد عاد بنا البحث إلى صراع فكري، وأُس كل صراع فكري يتناول الجماعة، أبحاث هادئة، (تكون ناجمة غالبًا عن شعورها المضطرم، أو عن شعور من يحس بأنها في حالة توجب أن يكون شعورها مضطرمًا، فينفخ في كيره)؛ لذلك علينا أن نتناول الفكرتين ومنشأهما بقدر ما يجيز البحث؛ لنرى بعد ذلك مصير العالم ومصيرنا، وموقف الإسلام وواجبنا.
إن (ألمانيا) بنازيتها أُمة الدم والحديد، أمة (نيتشه) القائل بالقوة والحياة الدنيا، لقيت ما أيَّد أقوال مربيها وعلى رأسهم (فيخته)، وفلاسفتها وعلى رأسهم (نيتشه)، فثارت مندفعة بقوة الإحساس (بالذات) إحساسًا فيه من الطموح شيء كثير، وفيه من الغرور القومي الجنسي ما هو أكثر.
وإن (إيطاليا) استيقظت من كَبوتها، فجمعت شتاتها وأعادت وَحدتها، ثم ثارت على (أولمب) وآلهته، و(باخوس) وكؤوسه، ونظرت أمامها فرأت حاجة مُلحة، ورأت بلادًا مستضعفة، فتنهدت وسبحت في عالم عواطفها، فرأت عصورًا منطوية، ومستعمرات واسعة، ثم ردت الطرف فرأت (روما) لا تزال اسمًا قائمًا، غير أنه لا يمثل تلك الذكرى، فانتقضت على (روما)، وقالت: لتكن (روما) رمزًا ما دامت شبحًا، وهكذا ثار (المجد التاريخي) ودبَّ الحماس القومي، واندفع (موسوليني) يخطب فوق السيارة المصفحة في جنود الفاشستية الذاهب إلى (الحبشة)، وكان في مرتفع يريه من وراء الحبشة (حبشات) أولها على ما يقدر الناظرون (اليمن) التي لا نـزال نردِّد اسمها التاريخي (بلاد العرب السعيدة) ونحن نبتسم.
ولما كان فكرة (ألمانيا وإيطاليا) وشعورهما تملأ قلوبًا، وتستهوي رؤوسًا، وإن اختلفت العوامل ومظاهرها، كلها أو بعضها، ولتشابك مصالح العالم واستفحال فعالية العدوى فيه - فإنا نرى من وراء ما مر عليه طرف بحثنا (جبهة عالمية)، أو قل: شطر العالم، ترى أو يرى أن تكون (الجماعة) بيد (الدولة) تُوجهها بأفرادها في سبيل مجدها الذاتي والتاريخي، بدون تردد تراه في مهازل المجالس النيابية المعربدة بنشوة....، ثم لا يكون من بعد ذلك إلا تكنيس آثار النعال، وتنفيض المقاعد، استعداداً لجلسة تالية.
وأما الجبهة العالمية الثانية، فتراها إن نظرت إلى (روسيا) الحمراء و(فرنسا) الديموقراطية، و(إنجلترا) التي لا تغيب الشمس عن أملاكها.
لقد كانت (روسيا) خاصة لسلطة (القيصر)، والقيصرية أهواء جامحة، وسلطة مطلقة، لها أظافر وأنياب، لا تشبع من لحم الشعب، ولا ترتوي من دمائه، وهي لا تهوى غير دم الشعب ودمائه، ولما كان الشعب هنالك عديدًا وافرًا، وكان ما لَقِيه من بؤس وفقر، حرَّك دماءه رغم برودة بلاده وبطء حركة دِبَبَته، وكان في صوت (تولستوي) ومَن تَبِعه ما أيقَظه، لذلك حدث فيها رد فعل لموجة القيصرية، فقوَّض عرشها، وهدمت قصور الحكومة، وقال الشعب أو من ينطق بلسانه: أنا السيد وأنا المسود، لا سلطان إلا للصعاليك الجائعة (البروليتاريا).
وأما (فرنسا) فإنها قد اعتدت بنفسها أنها بلد (الديمقراطية) منذ ثورتها الشهيرة سنة 1789م، وزاد في غرورها أنها ساعدت أمريكا في تحرُّرها، وأن نابليون الأول عرَف كيف يستغل بلاهتها، فركب حمار الشعب، ووضع في رأسه جرسًا كان يُطنطن في كل حركة ليسجد الناس لعظمته، فيُرضوا غرور نفسه، وكان يقول لحماره، لشعبه: إنها رنات ثالوثنا المقدس (الإخاء، المساواة، الحرية)، فسِرْ متغلغلاً في بلاد العالم!
وأما (إنجلترا) فبلد الضباب، بلد الحقائق المحجبة، والمطامع الخفية، تسير بروح أقاصيص الجن، فتبني وتهدم، وتَسعَد وتَشقى، وهي لا ترى في جزائرها المنعزلة، وهي في ذلك كله تُحقق أطماعها، وتُرضي أهواءها، وبذلك فقد تحكمت بثُلُث العالم؛ ولما كانت هذه هي (حصة الأسد) على حد تعبيرهم، وكان الأسد لا يطمع بأكبر منها، وكان كل مستأسد يحاول مشاركته عليها - فإنا نرى إنجلترا السعيدة بغنائمها، والتي تعرف كيف تقيم العدل (بين أفراد عصابتها لئلا يسمع لهم ركزاً، فيعرف الناس بؤرة من يطلبون ومن أين يأخذون، وكان التدليس والتلبيس والإرضاء لجميع الشعوب الخاضعة من منهجها؛ كيلا تكون ثورة تفضح سرًّا، أو تذهب بغنيمة أو تعكِّر صفوًا، وكان كل ذلك يوافق ما يسمى (ديموقراطية)؛ لأنه يُرضي شعبًا، ويُقنع أو يُخدر شعوبًا، لذلك فإن (إنجلترا) إلى جانب (فرنسا) (على ما بين مطامعهما من عداء يُذكرك بحصار نابوليون)، وكلاهما إلى جانب (روسيا) من هذه الناحية!
إن (الديموقراطية) بنظر روسيا خطوة في سبيل الشيوعية!
هذه صورة مصغرة عن الجبهة العالمية الثانية، نظرًا للفكرة التي تجمع دولها، ولما كانت (المطامع) لا تخرج عن حدود (الفكرة)، ولو ظاهريًّا، لذلك فإنا نرى مطامع هذه الدول قد قسَّمتهم إلى ذَينك المعسكرين، فاتحد الرأي والمنزع، وتشابك الطرفان.
هذا ما يراه المقلِّب في هذا العالم اليوم طرفه، ولما كان من واجب كل ناظر أن يعود إلى نفسه، فيرى مقدار صلته بما رآه، لذلك فإن علينا أن ننظر إلى الإسلام وعلاقته بهاتين الجبهتين، وسنتناول ذلك من الناحية الفكرية فقط؛ لئلا يُلقي بنا البحث في مهامه لا يُنجينا منها سفر ضخم.
إن (الإحساس بالذات) الذي يدفع (ألمانيا) للإخلاص للقومية فقط، هو مما يدعو الإسلام إليه، ولكن معدلاً، فيأمرك بإخلاصك لقومك دون أن تغلق باب (الإخلاص) بـ (فقط)، ويفتح باب العالم أمامك لترى ثمة إخوانًا لك في البشرية، وفي قوله تعالى ما يغني الناظر: ﴿ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا... ﴾ [الحجرات: 13].
وإن في اعتقاد المسلمين بأن (حب الوطن من الإيمان) وفي مبادئ الجهاد، وإيمانهم بأنه من فروض دينهم، ما يكفي لمعرفة اتصال مبادئ الإسلام بمبادئ (النازية).
وكذلك فإن للإسلام صلة وثقى (بثورة التاريخ)، واستعادة مجده الذي تلتفت (الفاشية) الإيطالية حول نواته، وتدور حركاتها حول محوره، غير أنها لا تسلك لذلك سبيل الفتنة المستعمرة؛ لأن الإسلام أنـزَه من أن يُلقي شباكًا، وهو الذي يعرف معنى (كلمة الحر بين شفتيه)، ولأنه يحترم العهود والمواثيق التي أعجزت جمعية الأمم حمايتها؛ مما جعل ضعيفها يؤكل في فجر نهارها وعينها تنظر، حتى ردَّد أكثر المشاهدين المثل العربي القائل: (إنما أُكلت يوم أُكِل الثور الأبيض)، فزالت ثقة ضمانتها، وعادت كل دولة تحصِّن حدودها، وتحدِّد أظافرها صونا لأشبالها..، ولست أُقيم الدليل على هذا بغير (صلاح الدين الأيوبي) الذي رد الصليبية ناكصة على أعقابها، فأعاد لواء الإسلام خفاقًا فوق (بيت المقدس)، فإن تعاليم الإسلام نفخت في روحه الكبيرة (مجد التاريخ)، فاسترد البلاد مسلمًا ورائده تعاليم إسلامية، تتمثلها في يوم (حطين) الأروع، وحسن معاملته لأعدائه وأسراه، وإروائه نفوس ملوكهم الظامئة.
هذه لمحة عن اتصال مبادئ الإسلام بمبادئ هذه الجبهة، وأما اتصاله بـ(الشيوعية)، فتعرفه من مبادئ الزكاة والصدقة وإطعام الطعام، وعتق الرقبة، ونحو ذلك، وأما اتصاله (بالديمقراطية) فتعرفه من مبادئه في الشورى، (فالمسلمون أمرهم شورى بينهم)، وعلى هذا سار نبيُّهم المنزَّل عليه: ﴿ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ.. ﴾ [آل عمران: 159]، وتتدبره من اتصاله الوثيق بمبادئ (صك حقوق الإنسان) من حرية ومساواة وعدل، وتَفهمه حقيقة الفَهم من سيرة الخلفاء الراشدين، ورجالات الإسلام الذين دخل الإسلام قلوبهم، فكانوا صوره الحية، ولست أضرب مثلاً في حادثة أو في فلان، فإن عظمة البحر لا تُستشعر بغُرفةٍ، بل ولا بقناةٍ.
:
إرسال تعليق