رئيس اتحاد الوطن العربي الولي يتحدث عن فقه أمانة الكلمة والمسؤولية

رئيس اتحاد الوطن العربي الولي يتحدث عن فقه أمانة الكلمة والمسؤولية


رئيس اتحاد الوطن العربي الولي يتحدث عن فقه أمانة الكلمة والمسؤولية
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن أمانة الكلمة، وأمانة المسئولية تحتل الصدارة فى الدين وفى بيان الحكم الشرعي، بحيث يجب على من يقوم بمسئولية الفتوى فى الدين أن يتحرى الحق والصواب ومعرفة القرآن والسنة وأسباب نزول الآيات، وأسباب ورود الأ حاديث، و أن يعلم المطلق والمقيد والناسخ والمنسوخ إلى غير ذلك من الأمور والضوابط التى شرعها الإسلام حتى لا يفتى أحد بما يخالف الدين. وعلى طالبى الفتوى الا يسألوا إلا أهل الذكر، قال الله تعالي: "فاسألو ا أهل الذكر ان كنتم لا تعلمون" سورة النحل (34). ومن لم يكن أمينا على فتواه وكان جريئا عليها كان جريئا على النار (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)
فالذين يفتون بحل الدماء أو غير ذلك مخطئون ويقعون فى جريمة القتل حين يتسر عون، عن أسامة بن زيد رضى الله عنه قال: بعثنا رسو ل الله صلى الله عليه وسلم فى سرية فصبحنا الحرقان من جهينه، فادركت رجلا فقال: لا إله إلا الله فطعنته فوقع فى نفسى من ذلك فذكرته للنبى صلى الله عليه وسلم فقال: (أقال لا إله إلا الله وقتلته؟) قلت يا رسول الله انما قالها خوفا من السلاح قال: «أفلا شققت عن قلبه حتى تعلم من أجل ذلك قالها أم لا؟ من لك بلا إله إلا الله يوم القيامة فمازال يكررها حتى تمنيت أن لم أكن اساءت قبل ذلك اليوم. رواه أحمد البخارى وغيرهما.
وكما تكون لأمانة الكلمة وأمانة المسئولية صدارتها فى الدين فان لها أيضا أهميتها بين الحاكم والمحكوم وبين ولاة الأمر وبين الرعية.
فكم ترنحت مجتمعات وضاعت بسبب الصاق التهم ببعض الناس. والعجيب أن أهل الظلم والعدوان يسول لهم شيطانهم وانفسهم الامارة بالسوء أنهم على حق، وأن غيرهم على الباطل وانهم بهذا ينتصرون ويمكن لهم فيرتعون فى بهتانهم ويطلون فى عدوانهم سادرين.
وحفاظا على صلاح المجتمع أمر القرآن الكريم بالتثبيت والتبين، إذا حمل فاسق نبأ فيه كذب يفترى به على الناس فقال الله سبحانه: "يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين" سورة الحجرات (6)
وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يكون الرجل المسئول أذنا يسمع كل ما يقال، ويصدق كل ما يسمع ويحدث به فقال: "كفى بالمرء كذبا ان يحدث بكل ما يسمع" رواه مسلم.
ووضح لأمته ان الله تعالى يكره قيل وقال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثا ويكره لكم ثلاثا: فيرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وان تناصحوا من ولاه الله أمركم ويكره لكم قيل وقال وكثرة السؤال واضاعة المال" رواه مسلم.
إن واجب كبار المسئولين ان يصونوا سمعهم عن أصحاب قاله لسوء الذين يبغون الافساد بين الناس وهدم بعض شخصيات ليرتفعوا على أنقاضهم.
ولطالما أغلق الرسول صلى الله عليه وسلم الباب فى وجوه الذين ينقلون البهتان على غيرهم فقال عليه الصلاة والسلام: "لا يبلغنى أحد من أصحابى عن أحد شيئا فانى أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر" رواه أبوداوود.
وحرصا من الإسلام على العلاقات الإنسانية بين المسلمين نهى الإسلام عن عديد من الرذائل التى تؤثر على علاقات الناس كرذيلة الظن السوء فنهى عنها وعن التجسس والغيبة والنميمة كل هذه الرذائل وأمثالها نهى الإسلام عنها لانها تؤثر على علاقات المسلمين فيما بينهم فقال الله تعالي: "يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن اثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقو ا الله ان الله تواب رحيم" سورة الحجرات (21)
لقد صور القرآن الكريم الذى يغتاب أخاه المسلم كأنما يأكل لحمه بعد ان مات
انها صورة مقززة، ولذا حذر الرسول صلى الله عليه وسلم "من قلبه، لا تغتابو ا المسلمين، ولا تتبعوا عوراتهم فانه من اتبع عوراتهم يتبع الله عورته، ومن يتبع الله عورته يفضحه فى بيته" رواه أبوداوود
وأكد الإسلام على تحريم الغيبة والبهتان حين يغتاب أحدهم الناس أو يبهت أحدهم الآخر، قال عليه الصلاة والسلام: "أتدرون ما الغيبة؟ قالوا: الله ورسوله أعلم، قال: ذكرك أخاك بما يكره، قيل: أفرأيت ان كان فى أخى ما أقول؟ قال: ان كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وان لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" رواه مسلم وأبوداود وبعض الذين امتحنهم الله بالمسئولية يتخذون البهتان سبيلا لضرب الآخرين والافتراء عليهم وتلفيق التهم الظالمة حتى ينتقموا منهم، ويبرر شيطانهم لهم، وتبرر أنفسهم الامارة بالسوء الافتراء والكذب على الناس ولو علمو ا عقوبتهم التى قررها الإسلام لامثالهم لكفوا عن بهتانهم.
قد طمأن الله المظلومين الذى اسيء إ ليهم بأن ما حدث ليس شر ا لهم بل هو خير لهم، وأما الذين اساءوا وافتروا فلهم عذاب عظيم
قال الله تعالي: »ان الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امريء منهم ما اكتسب من الاثم والذى تولى كبره منهم له عذاب عظيم، سورة النور (11).
- الشكاوى الكيدية: ومن أخطر ما يهز استقرار المجتمع ان ترفع شكاوى كيدية لكبار المسئولين فتقع عقوبة ـ بناء عليها ـ ظلما على إنسان أو يمنع من حق كان له، فيصبح هذا المظلوم كارها ساخطا غاضبا فاقدا ولولاءه وانتماءه بسبب الظلم الذى وقع عليه، ومن أجل ذلك زمر القرآن الكريم بالتبين والتثبيت كما فى الآية السابقة:" ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا ان تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين"، ان هناك طبائع لبعض البشر الذين لا يرجى منهم خير ولا يؤمن منهم شر، ولا هم لهم إلا النيل من الناس وتجريحهم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الا انبئكم بشراركم؟ فقالوا: بلى ان شئت يا رسول الله، فقال: شراركم الذين ينزل و حده و يجلد عبده ويمنع رفده) ثم قال: أفلا انبئكم بشر من ذلك؟ فقالوا بلى ان شئت يا رسول الله فقال: من يبغض الناس ويبغضونه، ثم قال أفلا انبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى ان شئت يا رسول الله، قال: (الذى لا يقيل عثرة ولا يقبل معذرة ولا يغفر ذنبا) ثم قال: أفلا انبئكم بشر من ذلك؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: (من لا يرجى خيره ولا يؤمن شره) وقال صلى الله عليه وسلم: من تنصل إليه فلم يقبل لم يرد على الحوض) رواه الطبراني.
- التقارير الظالمة: وكما يقع بعض العاملين فى شكاوى كيدية فإن بعض المسئولين الذين ولاّهم الله أمر مسئولين ما عندما يحملون على بعض من ولاّهم الله أمرهم، قد يحقون عليهم، وقد يقدمون تقارير ظالمة فى حقهم من شأنها الإساءة إليهم وإيقاع الشقة بهم، عن السيدة عائشة ـ رضى الله عنها ـ قالت: "سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم من ولى من أمر أمتى شيئا فشق عليهم فإشقق عليه، ومن ولى من أمر أمتى شيئا فرفق بهم فارفق به" رواه مسلم.
وحتى لا يتعرض الناس إلى قسوة من بعض المسئولين أفسح الإسلام للمعارضة وإبداء الرأي، وقدم الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ من نفسه النموذج الأمثل لحرية الكلمة فعندما جاء إعرابى من أهل البادية قائلا فى جراءة: "أعطن، فليس المال مالك ولا مال أبيك" فيبتسم النبى صلى الله عليه وسلم ويقول: "صدقت إنه مال الله" فيستفز الموقف عمر ـ رضى الله عنه ـ فيهم ليبطش بالأعرابي، فيرده الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ فى رفق ـ وهو مبتسم ـ قائلا: "دعه يا عمر أن لصاحب الحق مقالا".
- إن الإسلام وهو يشيد خير أمة أخرجت للناس يفسح لحرية الكلمة الطريق، ويؤكد على أمانة الكلمة وأمانة القرار حتى لا يقع ظلم من أحد على أحد، ولا بأس أن تنصح المسئول وتأمره بتقوى الله حتى لا يتجرأ الظالمون، لقد جرى حوار ذات مرة بين عمر رضى الله عنه وبين أحد الناس، ولما تمسك الآخير برأيه وقال لأمير المؤمنين: اتق الله يا عمر وكررها كثيرا زجره أحد الصحابة الجالسين وقال له: صيه ـ أى أسكت ـ فقد أكثرت على أمير المؤمنين، فقال له عمر رضى الله عنه: "دعه فلا خير فيكم إذا لم تقولوها ولا خير فينا إذا لم نسمعها".
إن الله تعالى سائل كل وال عما استرعاه: حفظ أم ضيع فليتق الله كل من بيده مسئولية وأمانة فى المجتمع "كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته" وليحذر من تمكن له وظيفته أن يسيء إلى الناس أو يظلمهم أو يشوه صورتهم أو ينقل عنهم زورا وبهتاتا فإن الله تعالى لا تخفى عليه خافية فى الأرض ولا فى السماء، وإن الله تعالى ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته "ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار".

 

اكتب تعليق

أحدث أقدم