بقلم \ المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
كم للقرآن الكريم من عجائب عطاء في كل مجال؛ لأنه الكتاب الذي لا تنقضي عجائبُه، فها هو يطلُّ علينا في عصر العلم والتقنية بدلائلَ كثيرةٍ، تقول للعقل المفكِّر: إنه كتاب الله الوحيد الخالد الباقي المحفوظ؛ ليكون دستورًا للعالمين، لمن شاء منهم أن يستقيم، وقد حوى القرآن الكريم آياتٍ كافيات، وصلتْ إلى 6236 آية، والآية الواحدة تُصلِح أمَّةً، فهي دستور حياة.
والوقت من أهمِّ النِّعم التي أنعم الله بها علينا، ولأهمية الوقت أقسم الله في القرآن الكريم به - وهو الغني عن القسم - عدةَ مراتٍ؛ قال - تعالى -: {وَالْفَجْرِ * وَلَيَالٍ عَشْرٍ} [الفجر: 1، 2]، وقال - تبارك وتعالى -: {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى} [الضحى: 1، 2]، وقال أيضًا: {وَالْعَصْرِ * إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} [العصر: 1، 2]، وقال - عز وجل -: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى} [الليل: 1، 2]، ومن المعروف لدى المفسِّرين أن الله إذا أقسم بشيء مِن خلْقِه، فذلك ليلفتَ أنظارَهم إليه، وينبههم إلى جليل منفعته.
كما أن الله - جل شأنه - حدَّد لنا أوقاتًا للعبادات المفروضة، ومن أمثلتها قوله - عز وجل - في الصلاة: {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا} [النساء: 103]، وقوله - تعالى -: {أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: 78]، وقوله - تعالى -: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ} [هود: 114]، وفي الصيام قوله - جل وعلا -: {أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184]، وقوله - تعالى -: {شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185]، وفي الحج قوله - تبارك وتعالى -: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197].
بل إن الله - عز وجل - قد اختار لنا أوقاتًا تَفضُل أخرى، في عبادات أخرى تؤدَّى في أي وقت، كالتسبيح والاستغفار؛ فيقول - عز من قائل -: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق: 39]، ويقول: {وَالْمُسْتَغْفِرِينَ بِالْأَسْحَارِ} [آل عمران: 17].
إذًا؛ فهي إشارات واضحة من المولى - عز وجل - إلى أهمية الوقت، وقطعِه في الأعمال الصالحة النافعة؛ بل ويأمر رسولَه - صلى الله عليه وآله وسلم - والأمَّةَ كلَّها مِن خلفه أن يستثمر الفراغَ، وألاَّ يتركه يذهب هباء؛ بل يشغله بما يرضي اللهَ من أعمال مفيدة، فيقول: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ} [الشرح: 7، 8].
ويقول المصطفى - عليه الصلاة والسلام -: ((نعمتانِ مغبونٌ فيهما كثيرٌ من الناس: الصحة، والفراغ))، فهاتان النعمتان - ولا شك - من أعظم نِعَم الله على عباده.
ماذا نعني بإدارة الوقت؟
• هي الوسائل التي تُعِينُ المرءَ على الاستفادة القصوى من وقته في تحقيق أهدافه، والاستفادةُ من الوقت هي التي تحدِّد الفارقَ ما بين الناجحين والفاشلين في هذه الحياة، فالسِّمةُ المشتركة بين كل الناجحين هي قدرتُهم على الموازنة ما بين الأهداف التي يرغبون في تحقيقها، والواجباتِ اللازمة عليهم، وهذه الموازنةُ تأتي من خلال إدارتهم لأوقاتهم.
إننا جميعًا متساوون مِن حيثُ كميةُ الوقت المتاح في اليوم؛ لكننا نختلف في كيفية إدارته واستثماره، وهنا يبرز الناجح والفاشل، فالوقت يتَّسم مِن حيثُ المرونةُ بالجمود، فلا يمكن ادِّخارُه للمستقبل، ولا يمكن تعويض ما مضى منه، مِن خلال ما تقدَّم وجب علينا الاهتمامُ والدقة في موردٍ من أهم الموارد التي أنعم الله علينا بها، وهو وقتنا.
وفي حثِّه - عليه الصلاة والسلام - على تنظيم الوقت وعدم إضاعته، في حديث ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: قال رسول الله لرجلٍ وهو يعظه: ((اغتنِمْ خمسًا قبل خمس: شبابَك قبل هَرَمِك، وصحتَك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغَك قبل شُغلك، وحياتَك قبل موتك))، فقد لخَّص النبي في هذه الكلمات الموجزة البليغة ما تناوله أساتذةُ علم الإدارة في كتب عدة - وهي بالمناسبة من أكثر الكتب مبيعات في زمننا هذا؛ لارتباطها بنجاح الأعمال والشركات - فذلك من جوامع الكلم؛ إذ تحدَّث عن أهمية الوقت، والمبادرةِ إلى استثماره، واغتنامِ قوة الشباب، وفرصِ الفراغ في العمل الصالح المثمر، وحذَّر من خمسة معوقات لاستثمار الأوقات، وكلُّ ذلك في عبارات وجيزة.
وفي قصة نبي الله يوسف - عليه السلام - مع ملك مصر، وتأويل رؤياه، ما فعله يوسف - عليه السلام - في تفسيره لرؤيا الملك، وهو وضع خطة زمنية لكسب الوقت في سنوات الرخاء، بمضاعفة الإنتاج، وتخزينه بأسلوب علمي؛ للاستفادة منه في سنوات الجدب.
ولقد منَّ الله علينا في عصرنا هذا بالأجهزة الحديثة التي وفَّرت الوقت لنا، فزادتْ مسؤوليتنا أمامَ اللهِ عمَّا توفَّر لنا من وقت وجهد، فقد كان العلماء في الماضي يقطعون المسافات بالشهور والأيام؛ لتحصيل العلم، أو تحقيق الأحاديث، فيما تقطعه الطائرةُ اليوم في سويعات، وقد كانت ربَّة المنزل إلى وقتٍ قريب تقضي يومًا طويلاً في غسل الملابس، فيما يسَّره الله الآن في دقائقَ معدودةٍ بالغسالات الأوتوماتيكية الحديثة، وهناك أيضًا الوسائل التقنية، مثل: الحاسبات الآلية، والإنترنت، والبريد الإلكتروني، والهاتف، والهاتف المحمول، وآلات تصوير المستندات، والفاكس، والمفكرة الإلكترونية، وكلُّ جهاز من هذه الأجهزة إن أُحسن استخدامه، فإنه يفيد ويفعِّل عملية إدارة الوقت، فالهاتف مثلاً قد يجلب أنباءً مهمة، أو يُعِين على حل مشكلة، وقد تكون آلة تصوير المستندات توفر الجهد الكتابي، وكذلك الإنترنت يوفر الجهد الكتابي، وكذلك الإنترنت والبريد الإلكتروني، فهذه سلاح ذو حدين، فهي قد توفر الكثير من الوقت، وقد تكون عائقًا لإدارة الوقت؛ كالاتِّصالات الكثيرة غير الضرورية، أو الانشغال بالألعاب والأغاني الموجودة على الهواتف المحمولة أو الإنترنت، ومن يفعل ذلك فكأنه يبدِّل نعمة الله، وعليه أن يحذر غضب الله الذي يحبُّ أن يرى أثرَ نعمته على عبده.
فلا بد لنا أن نتعلَّم استثمار نعمة الوقت المتوفر بالأجهزة الحديثة في الأعمال المفيدة؛ شكرًا لله على نعمه، وعلاجًا لكثير من أمراض الأمة.
إرسال تعليق