بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن الإسلام دين الإنسانيَّة، يحثُّ على كلِّ ما تقبله الإنسانية، بل يجعله محمدةً ومجزأةً لمن تحلَّى بذلك الحلي الذهبيِّ، وليس في الوجود ما يصلح للإنسانية إلا وقد حثَّنا عليه الشارعُ الحكيم، ولا ما تقذره وتذمُّه إلا وقد ضمَّه في عموم قوله تعالى: ﴿ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ﴾ [البقرة: 187].
ومن أهمِّ هذه الأمور بضاعةٌ ضاعَتْ عنَّا، لم يعد يملكها إلا قليلٌ ممن وفَّقهم الله بصيانتها، ألا وهي الأمانة، وما أدراكم ما الأمانة؟! تلك التي لم يترك الشارع إنسانًا إلا وألبسه قلادتها، وها هو قول النبيِّ صلى الله عليه وسلم يؤكِّد ذلك: ((كلكم راعٍ، وكلُّكم مسؤول عن رعيته؛ فالإمام راعٍ ومسؤولٌ عن رعيته، والرجل راعٍ في أهله وهو مسؤول عن رعيته، والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسؤولة عن رعيتها، والخادم في مال سيده راعٍ وهو مسؤول عن رعيته))؛ (رواه البخاري)، هكذا أخبَرَنا النبيُّ صلى الله عليه وسلم.
والإنسان خليفة الله على الأرض؛ فهو أمين عليها فيما بينه وبين ربِّه، فيجب أن يحرص كلَّ الحرص على ألا يراه فيما يخالف أمره، وكذلك فيما بينه وبين الناس، صغيرًا أو كبيرًا، ذكرًا أو أنثى، يعطي كل مؤتمن أمانته، هكذا علَّمنا الرسول صلى الله عليه وسلم، بل هكذا كان قبل بعثته حتى كان يلقَّب بالأمين، ونبيُّ الله موسى عليه السلام كان أمينًا قبل إرساله إلى فرعون، حين وكز الرجل فمات فأُخبِر بأنَّ القوم يأتمرون به، فخرج من مصر، حتى سقى لبنتَي الرجل الصالح، ثم تولَّى إلى الظلِّ فقال: ﴿ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ * فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا ﴾ [القصص: 24، 25]... إلى أن قالت إحداهما: ﴿ يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ ﴾ [القصص: 26].
وهذا دليل واضح على أنَّ الأمانة من جذور الإنسانية، فعلى الإنسان أن يكون أمينًا بينه وبين نفسه؛ ليثبِّت ويقوِّي جذور ضميره وإنسانيته، قال محمد الغزالي نوَّر الله ضريحه: "فإذا مات الضمير، انتُزعت الأمانة، فما يغني عن المرء ترديدٌ للآيات، ولا دراسة للسنن".
قال الله تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ﴾ [النساء: 58].
إنها الأمانة، ولا يكون الإنسان مؤمنًا إلا بها، فها هو النبيُّ صلى الله عليه وسلم ينفي الإيمانَ عن الإنسان إذا خلا من الأمانة، ويقول: ((لا إيمان لمَن لا أمانةَ له))، وهذا يدلُّ على ضخامة شأنها.
فعليك أن تتحلَّى بالأمانة، وأن تكون مخلصًا في أدائها، فلا تبتغِ بها إلا وجه الله.
إرسال تعليق