بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
إن تنقية القلوب أساس من أسس التقرب إلى الله، فلم يكن طريق الله في يوم من الأيام طريق الأحقاد، ولم ينتشر دين الله بالحقد، إنما انتشر بالحلم والصبر والحب: ﴿ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ ﴾ [التوبة: 114].
• وكانت خاتمة ملحمة يوسف عفوًا وصفحًا وحبًّا بعد رحلة عذاب طويلة، استغرقت شطرًا من فتوته وشبابه: ﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ ﴾ [يوسف: 92].
• وتمضي رحلة النبوة فيَّاضة بالصبر والحلم، والعفو والحب عبر كل الأنبياء، فهم جميعًا - عليهم السلام - لا يصلون مع أقوامهم المعاندين لرسالاتهم الكافرين بربِّ السموات والأرض، إلى مرحلة الدعاء عليهم، وطلب الانتقام من الله، إلا بعد أن ييئَسوا منهم، ويتأكدوا بكل صور اليقين أن هؤلاء قوم مكابرون مجرمون.
إنها المرحلة التي يكون الله قط طمس فيها على القلوب، فأغلقت إغلاقًا محكمًا انعدم معه الأمل في الهداية، ولم يعد للدعوة ولا للرحمة ولا للحب أي وجود، في هذه المرحلة قال الوحي الكريم لنوح: ﴿ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ إِلَّا مَنْ قَدْ آَمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ﴾ [هود: 36].
وفي هذه المرحلة نفسها دعا موسى على قومه قائلاً:
﴿ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ﴾ [يونس: 88].
• أما قبل هذه المرحلة، فليس هناك إلا الحب، وإلا الصبر، وإلا الحلم والعفو سبيلاً إلى الله، وإلى دعوة الحق.
وقد عوقب يونس - عليه السلام - عندما هاجر تاركًا قومه في مرحلة الدعوة، ولم تكن الأمور قد وصلت بعد إلى مرحلة الطمس، مرحلة اليأس؛ ﴿ فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ * فَالْتَقَمَهُ الْحُوتُ وَهُوَ مُلِيمٌ * فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ * لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ [الصافات: 141 - 144].
ومن نكد الدنيا أن بعض المحسوبين على الإسلام ينسون هذه الرحلة النبوية الطويلة، رحلة الحب في سبيل الله، رحلة الوصول إلى القلوب عن طريق إشاعة الرحمة والحب والشعوب بالأخوة الإنسانية كل هذه الرحلة، وينسون سيرة نبيهم الكريم - عليه الصلاة والسلام - مع خصومه الذين حاربوه وتآمَروا على قتله، واستعانوا عليه بكل قوى الشر الوثنية واليهودية والنصرانية، ويعيدون إلينا منهج الفِرَق النصرانية مع مخالفيها من الفرق الأخرى، حين كانت مشانق الأرثوذكس تعقد - بإخلاص شديد ورغبة عارمة في إرضاء المسيح - عن طريق تقديم آلاف الرؤوس من الكاثوليك والبروتستانت الهراطقة.
حقيقة أن هؤلاء لم يرتكبوا والحمد لله شيئًا من ذلك، وحقيقة أنهم لم يذبحوا مخالفيهم كما فعلت الكنائس معه مخالفيها.
وحقيقة أن صفحة الحضارة الإسلامية منذ ظهر الإسلام وحتى اليوم، هي أطهر وأزكى صفحة عرفتها البشرية في احترام العقائد الأخرى الواضحة التي لا تعمد إلى الخيانة العظمى من داخل البناء العقدي الإسلامي.
وحقيقة أن حالات ملاحقة المخالفين كان أكثرها لاعتبارات سياسية، يتساوى فيها المسلم مع غير المسلم، وإن اختلفت الواجهة التي تمسح فيها الحاكم الظالم.
وحقيقة أن الأكثرية الإسلامية كانت بصفة عامة - وهذه حقيقة تاريخية ثابتة - كانت أكثرية مضطهدة من حُكامها، وكثيرًا ما كان ذلك بتواطؤ مع الأقلية المُدللة، ومع القوى الخارجية المعادية، كل ذلك صحيح.
لكننا من باب تنقية الحضارة الإسلامية من أية شائبة، حتى ولو كانت صغيرة بالنسبة إلى غيرنا، نرفض وندين ظاهرة الحقد.
إرسال تعليق