بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
يختلف أهل الكتاب – يهودًا ومسيحيين – مع المسلمين حول نبوة محمد، فكما ينكر اليهود إلى اليوم نبوة المسيح الذي ولد منذ ما يقرب من ألفي عام، تتكرر نفس المواقف، حيث تنكر كِلا الطائفتين نبوة محمد الذي قام يدعو إلى الإسلام منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا من الزمان.
ولننظر ماذا تقول الأسفار في هذا الموضوع.
المعيار الذي تقرره التوراة لصدق النبوة:
شرطان لا بد منهما للحكم على صدق النبوة: الأول: أن يدعو النبي إلى عبادة الله الواحد الأحد، والثاني: أن تتحقق تنبؤات ذلك النبي فيما يتعلق بأحداث المستقبل.
وفي كل ذلك ليس للآيات والأعاجيب أيُّ اعتبار إذا كان هناك نبي يدعو إلى غير توحيد الله، فهو في تلك الحال كذاب جزاؤه القتل على رؤوس الأشهاد.
فبالنسبة للشرط الأول، قال الرب لموسى ولبني إسرائيل:
“إذا قام في وسطك نبي أو حالم حلمًا وأعطاك آية أو أعجوبة، ولو حدثت الآية أو الأعجوبة التي كلمك عنها قائلاً لنذهب وراء آلهة أخرى… فلا تسمع لكلام ذلك النبي أو الحالم ذلك الحُلم؛ لأن الرب إلهكم يمتحنكم لكي يعلم هل تحبون الرب إلهكم، وإياه تعبدون وبه تلتصقون.
وذلك النبي أو الحالم ذلك الحلم يقتل؛ لأنه تكلَّم بالزيغ من وراء الرب إلهكم – سفر التثنية 13: 1 – 5″.
وبالنسبة للشرط الثاني: قال الرب لموسى ولبني إسرائيل:
“وإن قلت في قلبك: كيف تعرف الكلام الذي لم يتكلم به الرب؟ فما تكلم به النبي باسم الرب ولم يحدث ولم يصر، فهو الكلام الذي لم يتكلم به الرب، بل بطغيان تكلم به النبي، فلا تخف منه – سفر التثنية 18: 21 – 22”.
ذلك هو المعيار العام للحكم على صدق النبوة، وبتطبيق ذلك على نبوة محمد بن عبدالله نجد تحقق هذين الشرطين بكل بساطة ووضوح.
فالإسلام الذي دعا إليه محمد بن عبدالله قام أساسًا على التوحيد الخالص، وأنه لا إله إلا الله، فتلك هي خاصيته الأساسية التي يعرف بها بين الجميع.
وبالنسبة لصدق تنبؤات المستقبل، فذلك شيء حفل به القرآن، ويكفينا في هذا المجال أن نذكر نبوءة واحدة تتعلق بصراع القوى الكبرى في عصر محمد، ألا وهو التنبؤ بانتصار الروم على الفرس رغم ما لحق بهم من هزائمَ متوالية، ولقد جاء ذلك في سورة تعرف باسم سورة الروم.
يقول المؤرخ الإنجليزي ستيفن رنسيمان: “في ربيع سنة 614 دخل فلسطين القائد الفارسي شهر باراز، فصار ينهب الأراضي، ويحرق الكنائس أينما سار… وفي 15 إبريل سنة 614 اقتحم بيت المقدس، واستعد البطريرك زكريا لتسليم المدينة ليتجنب سفك الدماء، غير أن السكان المسيحيين رفضوا الاستكانة إلى التسليم، وفي 5 مايو سنة 614 وبفضل مساعدة اليهود المقيمين داخل المدينة شق الفرس طريقهم إلى داخل المدينة، فتلا ذلك من المناظر المريعة ما يجل عن الوصف… وزحف الفرس على مصر بعد ثلاث سنوات (617)، وأضحَوْا سادتها خلال سنة واحدة، وفي تلك الأثناء تقدمت جيوشهم شمالاً حتى بلغت البوسفور، على أن سقوط بيت المقدس في أيدي الفُرس كان صدمة عنيفة للعالم المسيحي، وما قام به اليهود من دور لم يجر نسيانه أو اغتفاره، فاتخذت الحرب مع الفرس صفة الحرب المقدسة.
فلما صار هرقل آخر الأمر سنة 622 قادرًا على أن يتخذ خطة الهجوم على العدو، نذر نفسه وجيشه لله، واستطاع هرقل آخر الأمر برغم ما جرى من تقلبات عديدة في الأحداث، وما اشتد من القلق واليأس في أوقات عديدة، أن ينزل الهزيمة الساحقة بالفرس”[1].
لقد حزن المسلمون لهزائم الروم؛ لما شعروا به نحوهم من روابط القربى في الإيمان بالله والملائكة والكتاب والنبيين، على حين فرح مشركو مكة وما حولها بانتصار الفرس.
يقول المستشرق كارل بروكلمان: “هلَّل المكيون لهذه الانتصارات الفارسية، ولكن محمدًا أعلن أتباعه أن الهزيمة لا بد أن تحُل بالفرس في وقت قريب”[2].
لقد استمرت الأمور تسير بعد نزول آية النبوءة هذه في غير صالح الروم؛ إذ استولى الفرس على مصر، كما هددوا القسطنطينية قلب الإمبراطورية، ولكن ما أن جاء عام 622 حتى بدأ الموقف يتحول لصالح الروم، واتخذ هرقل خطة مهاجمة الفرس، فقام بثلاث حملات باهرة في الإقليم الواقع من خلف جبال القوقاز.
ثم لم يلبث أن انتزع من كسرى ثمرات النصر الذي تم له، وتعقبه حتى عاصمة مُلكه…
ومن ذلك الحين والإمبراطورية الساسانية (الفارسية) تسير قدمًا نحو مصيرها النهائي المحتوم، إلى الدمار”[3].
لقد انتهت هزائمُ الروم أمام الفُرس، وبدأت انتصارها ولما يمضِ على نزول آية النبوءة هذه بضع سنين، وهو العدد أقل من عشرة.
التنبؤ بحفظ النبي صلى الله عليه وسلم من محاولات قتله:
نزلت آية هذه النبوءة تقول:
﴿ يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ﴾ [المائدة: 67].
لقد قالت عائشة رضي الله عنها: كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحرَسُ حتى نزلت هذه الآية: ﴿ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ﴾ [المائدة: 67]، فأخرَج النبي صلى الله عليه وسلم رأسه من القبة وقال: أيها الناس، انصرفوا؛ فقد عصَمنا الله عز وجل.
لقد اكتملت رسالة النبي في حياته، ومات ميتة طبيعية على فراشه بين أهله وصحابته، فتحققت بذلك نبوءة القرآن تمامًا.
ذلك بعض ما يقال حين نأخذ ما تقوله التوراة معيارًا للحكم على صدق النبوة، والآن ننتقل للحديث عن ملامح وصفات النبي المرتقب الذي بشرت به الأسفار.
من توراة موسى:
هو نبي مثل موسى يجعل الله كلامه في فمه، فلا ينطق عن الهوى (سفر التثنية 18: 18).
وبمقارنة الخطوط العامة لحياة موسى ومحمد نجد الآتي:
كلاهما: وُلد ومات ميتة طبيعية – وتزوج وأنجب ذرية – وعدَّد زوجاته، وتعرض لنقد بسبب ذلك – وجاء بشريعة طبقت في عهده – وقاد أمته في حروب ضد الكفار.
من المزامير:
“تقلد سيفك على فخذك أيها الجبار… اركب من أجل الحق والدَّعة والبر فتريك يمينك مخاوف… شعوب تحتك يسقطون… بنات ملوك بين حظياتك – المزمور 45”.
ولقد تحقق هذا في محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وحروبه ضد الكفار والمشركين.
من سفر أشعياء:







وهذا يحدث في موسم الحج؛ حيث أهم مناسكه الوقوف بجبل عرفات.
المعزِّي روح الحق:
تحدث المسيح عن رسول آتٍ بعده سماه المعزي روح الحق، وذلك في إصحاحات ثلاث، أرقامها [14، 15، 16]، وكان مما قاله:
“أقول لكم الحق: إنه خير لكم أن أنطلق. لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي… ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية، وعلى بر وعلى دينونة. وأما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي.
إن لي أمورًا كثيرة لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك روح الحق فهو يرشدكم إلى جميع الحق؛ لأنه لا يتكلم من نفسه، بل بكل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية [إنجيل يوحنا 16: 7 – 13].
ومن هنا يتضح عدة أمور، منها:



ولما كان يوحنا كاتب هذا الكلام في إنجيله قد بين في رسالته الأولى أن روح الحق إنسان مؤمن [4: 6]، ولما كانت حاشية الترجمة الفرنسية المسكونية قد ذكرت أن روح الحق الذي تكلم عنه يوحنا في إنجيله [14: 17] هو ذاته الذي تكلم عنه في رسالته الأولى، ولما كان الروح القدس قد لازم المسيح منذ عمده يوحنا واستقر عليه – إنجيل يوحنا [1: 32] – من كل ما سبق يتبين أن روح الحق غير الروح القدس.
وإذا كان كاتب هذا الإنجيل قد ذكر روح الحق ثلاث مرات [في 14: 17، 15: 26، 16: 13]، بينما ذكر الروح القدس مرة واحدة [في 14: 26]، فإن هذا يعتبر خطأ تسرب إلى النُّسَخ المتداولة من هذا الإنجيل.
ويؤكد ذلك أن هناك مخطوطة سريانية شهيرة، اكتشفها أجنيس لويس عام 1812 في دَير سيناء، كتبت في القرن الرابع أو الخامس، وهي تذكر الروح فقط، وليس الروح القدس.
مما سبق جميعه يتبين أن روح الحق الذي تحدث عنه المسيح إنما هو إنسان رسول يأتي بعده، ويبكت العالم على أنه لم يؤمن بالمسيح الإيمان الحق؛ أي: إنه عبد الله ورسوله، وأن هذا الرسول المرتقب ليس إلا النبي الذي كان ينتظره بنو إسرائيل كأحد المنتظرين الثلاثة على أيام يوحنا المعمدان [يوحنا 1: 21].
وأخيرًا، فإن هذا النبي المرتقب سوف يخبر ببعض أحداث المستقبل، ولقد عرضنا سلفًا بعض تنبؤات محمد رسول الله، المسجلة في القرآن، وقد تحققت في عالم الواقع، ولا شك أن الواقع هو خير برهان.
وإذا كان المسيح قد قال: إنه سيبقى في الناس إلى الأبد، فإن هذا يتمشى مع لغة الأسفار التي عندما تتحدث أحيانًا عن رسل الله إلى الناس، فإنها تعني كتب الله التي جاء بها هؤلاء الرسل إلى الناس، وهذا ما تبينه قصة “الغني ولعازر” التي ذكرها [إنجيل لوقا 16: 19 – 31]، إذ عندما قال الغني لأبينا إبراهيم: “أسألك إذًا يا أبتِ أن ترسله إلى بيت أبي؛ لأن لي خمسة إخوة حتى يشهد لهم؛ لكيلا يأتوا هم أيضًا إلى موضع العذاب هذا، قال له إبراهيم: عندهم موسى والأنبياء.
فالمقصود بهذه العبارة: عندهم كتب موسى وكتب الأنبياء، وعلى ذلك يكون المقصود من قول المسيح: إن روح الحق سيكون معزيًّا آخر ليمكث معكم إلى الأبد [14 – 16]، هو أن الكتاب الذي سيأتي به ذلك الرسول الذي يعقب المسيح سيبقى محفوظًا إلى الأبد، وهذا لا يتأتى إلا إذا تكفل الله – سبحانه – بحفظه؛ فلقد أثبت الواقع أن كثيرًا ممن استُحفِظوا على كتب الله السابقة كانوا دون المستوى المطلوب.
ولهذا قال الله في القرآن:
﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴾ [الحجر: 9].
﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ * لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ﴾ [فصلت: 41، 42].
هذا، ولعل خير ما نختم به هذا البحث – الذي دار حول موضوع: الإسلام والأديان السماوية الأخرى، معطيًا موجزًا مركزًا لنقاط الاتفاق والاختلاف – هو أن نقول:
﴿ سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ﴾ [الصافات: 180 – 182].
________________________________________
[1] تاريخ الحروب الصليبية – ج1: (ص 24 – 27).
[2] تاريخ الشعوب الإسلامية – (ص 90).
[3] موسوعة تاريخ العالم – ج 2: (ص 478).
إرسال تعليق