رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الفنان في الفكر الغربي

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الفنان في الفكر الغربي


رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن الفنان في الفكر الغربي
بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود  عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس  ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الفنان..؟!
هل هو إنسان سوي؟
أم هو إنسان ملهم؟
أم هو إنسان مهووس أو ممسوس؟
أم…؟
تلك قضية بدأها الفيلسوف اليوناني «أفلاطون» حينما تحدث عن شخصية «الشاعر» وعن «شعر الشاعر».
إنه يقول: «إن جميع الشعراء العظام الملحميون، فهم والغنائيون على السواء، إنما يؤلفون، لا بالفن، بل لأنهم ملهمون وممسوسون».
ويقول: «إن ما يؤلفه الشعراء، لا يؤلفونه بالحكمة، بل بالطبيعة، ولأنهم ملهمون مثل الأنبياء ومانحي المعجزات»[1].
وواضح من قوله أن الشاعر «الفنان» إنسان غير عادي، فهو ملهم أو ممسوس، كما أن دوره في إنتاج الشعر، إنما هو دور سلبي، إنها عملية تلقٍ فقط، فالعمل الفني ليس من صنع الإِنسان، بل هو إلهام يتلقاه الإِنسان..
ومهما يكن من أمر فقد كان موقفه ذاك، بداية انطلاق – فيما يبدو – في النظرة إلى الفنان نظرة خاصة ترتفع به فوق الناس..
وتتابع الفلاسفة بعد ذلك، وانضم إليهم علماء الجمال أخيرًا، في مناقشة هذه «المشكلة» والإِدلاء بآرائهم في شأنها.
لقد «جاءت الأفلاطونية الجديدة فعملت على توطيد دعائم تلك النظرة الصوفية إلى الفن، حتى لقد ساد بين الناس الزعم بأن الفنان موجود غير عادي!، قد حباه الله ملكة الإِبداع الفني التي تكسب كل ما تلمسه طابع السحر والإِعجاز!! وهذا ما نادى به على وجه الخصوص «الأفلاطونية» في عصر النهضة، إذ كانوا يمجدون الفنان ويفسرون الأعمال الفنية بأنها ثمرة لملكة سحرية لا نظير لها عند عامة الناس».
«ولم يلبث أصحاب النزعة «الرومانتيكية» أن قدموا لنا الفنان بصورة الرجل الملهم الذي يتمتع بعاطفة مشبوبة، وحس مرهف، وحدس لماح، وبصيرة حادة، وإدراك نفاذ، وقدرة هائلة على الابتكار، حتى لقد انتهى بهم الأمر إلى تأليهه أو عبادته..»[2].
وهكذا اتجهت آراء كثير من الفلاسفة، وكذلك المدارس الفنية، إلى تصوير «الفنان» بصورة الشخصية الفذة النادرة.. الملهمة!! وتسليط الأضواء على إنتاجه الفني أو تصرفاته من خلال هذه النظرة الخاصة.
ولقد صادفت هذه النظرة إلى الفنان هوى في نفوس الفنانين أنفسهم. فذهبوا على مر العصور يؤكدون لأنفسهم هذه المكانة، عن طريق روايتهم لما يرونه؛ من إلهاماتهم ورؤاهم.. وغيبوباتهم.
إنها منزلة تكريم، من جانب، وهي من جانب آخر تبرير لانحراف المنحرفين منهم، فكل سلوك أو تصرف غير سوي يصدر عن فنان، يجد له تفسيرًا أو تعليلًا من خلال هذه النظرة. ذلك أن فنية الفنان وإلهامه حين يسيطران عليه يجعلانه يغيب عن ذاته وتبقى الكلمة للفن.
فالمصور «سيزان» لم يشيع جنازة أمه – رغم إيمانه بالمسيحية والكاثوليكية – وفضل أن يذهب لممارسة فنه[3].
وصلم المصور «فان جوخ» أذن نفسه وأرسلها هدية لفتاة كانت داعبته، مستحسنة أذنيه. وقد رسم لنفسه لوحة بهذا الشكل الجديد[4].
وحينما رسم «كوربيه» لوحته “الصديقان”، التي هي منظر من مناظر الحب الممنوع، كانت تسيطر عليه فنيته، ونسي نية السوء من حوله[5].
وأمثلة.. وأمثلة..
وهكذا نَعِم الفنانون بكل تقدير، ووجدوا من يدافع عن إنتاجهم وعن سلوكهم أيًا كان وضعه.
يرى الفيلسوف الفرنسي «ألان» (1868 – 1951) أن الفنان ليس مجرد شخص عادي يصح لنا أن نطالبه بالخضوع للبشر، أو الامتثال للعادات الجمعية، بل هو إنسان عبقري لا بد لنا من أن نعده «قانونًا لنفسه»[6].
وقد أكدت التعاليم الكنسية هذا المعنى، كما يروى لنا ذلك الفنان الانكليزي «كات ستيفنز» في قصة إسلامه، حيث قال: «.. عدت من جديد إلى تأليف الموسيقى وشعرت أنها هي ديني. ولا دين لي سواها!! وحاولت الإِخلاص لهذا الدين، حيث حاولت إجادة التأليف للموسيقى، وانطلاقًا من الفكر الغربي المستمد من تعاليم الكنيسة الذي يوحي للإِنسان، أنه قد يكون كاملًا كالإِله إذا أتقن عمله أو أخلص له وأحبه»[7].
وهكذا كان للكنيسة إسهام في تقرير فكرة وجود إنسان كالإِله!! ولعل هذه المعاني والعوامل مجتمعة هي التي دفعت «نيتشه» إلى المناداة بفكرة «الإِنسان الأعلى» وأن هذا الإِنسان هو «الإِله الجديد»[8]. والفنان هو أحق الناس بالإِنسان الأعلى؟!
________________________________________
[1] دراسات في علم الجمال. مجاهد ص 55.
[2] مشكلة الفن. زكريا إبراهيم ص 145.
[3] بحث في علم الجمال. برتليمي ترجمة أنور عبد العزيز ص 623.
[4] مجلة الفيصل عدد 79 ص 115 محرم 1404هـ.
[5] فصول في علم الجمال. برجاوي ص 164.
[6] فلسفة الفن في الفكر المعاصر. د. زكريا إبراهيم ص 140.
[7] المجلة العربية عدد 104.
[8] مشكلة الإنسان. د. زكريا إبراهيم ص 187.

 

اكتب تعليق

أحدث أقدم