نسخة احتياطية للحياة. بقلم ا.د ابراهيم محمد مرجونة

نسخة احتياطية للحياة. بقلم ا.د ابراهيم محمد مرجونة


مقال بعنوان:
نسخة احتياطية للحياة
ا.د ابراهيم محمد مرجونة 


في عالمنا المعاصر، حيث تتسارع الأحداث وتتداخل التفاصيل، نعيش وكأننا على حافة هاوية عميقة، نخطو خطواتنا بلا شبكة أمان، بلا نسخة احتياطية تحفظنا من السقوط. نبدأ يومنا بصخب الصباح، نرتدي ملابسنا على عجل، نحتسي قهوتنا وكأنها جرعة سحرية تضمن لنا استمرار الحياة، وننطلق في دوامة لا تنتهي من المهام والمواعيد. لكن، هل توقفنا يومًا لنسأل: لماذا لا يكون لدينا "باك أب" لكل شيء في حياتنا؟

تخيل معي لو أن لكل لحظة من حياتنا نسخة احتياطية، مثلما نفعل مع ملفاتنا الرقمية. لو تعطل هاتفك فجأة، لا تقلق، هناك نسخة محفوظة بأمان. لكن ماذا عن علاقاتنا؟ ماذا لو كان بإمكاننا استعادة صداقتنا التي تضررت بخلاف بسيط إلى حالتها الأصلية، قبل أن تتشقق؟ أو مزاجنا الذي يتقلب كأمواج البحر، هل يمكننا أن نضغط زرًا ليعود إلى "وضع السعادة المثالية" كما كان بالأمس؟

في عصر التكنولوجيا، أصبح "الباك أب" ضرورة لكل شيء رقمي، لكننا في حياتنا الواقعية نعيش بلا خطة بديلة، بلا شبكة أمان. هذا التناقض يكشف هشاشة وجودنا. نحن نؤمن بالثبات في عالم متغير، ونرفض فكرة أن نخطئ أو نفشل، رغم أن الفشل هو جوهر التجربة الإنسانية.

ربما يكمن عمق المشكلة في أننا نخشى الاعتراف بأننا غير كاملين، وأن الحياة ليست مضمونة. نعيش في وهم السيطرة، وننسى أن كل شيء معرض للانكسار، وأن الحكمة الحقيقية تكمن في الاستعداد للسقوط بكرامة. "الباك أب" ليس فقط نسخة من البيانات، بل هو فلسفة حياة تعترف بالخطأ، وتحتضن الضعف، وتمنحنا فرصة جديدة للنهوض.

في النهاية، غياب "الباك أب" في حياتنا يشبه مسافرًا يبحر في بحر هائج بلا قارب نجاة. متى سنتعلم أن نخطط للاحتمالات، وأن نحتفظ بنسخ احتياطية من علاقاتنا، مشاعرنا، وأحلامنا؟ ربما حينها فقط، سنعيش بحرية أكبر، وطمأنينة أعمق، وابتسامة أصدق. لنودع زمن "يا ليتني كنت أملك نسخة احتياطية"، ونرحب بعصر "الحمد لله، لدي نسخة احتياطية للحياة".

اكتب تعليق

أحدث أقدم