الكيت كات بقلم ا.د إبراهيم محمد مرجونة

الكيت كات بقلم ا.د إبراهيم محمد مرجونة

 




 الكيت كات بقلم ا.د إبراهيم محمد مرجونة 



في زقاق ضيق من أزقة القاهرة القديمة، حيث يمزج الناس بين القسوة والأمل، وبين الفقر والكرم، تدور أحداث فيلم "الكيت كات". الفيلم الذي قدّمه لنا المخرج داوود عبد السيد في بداية التسعينيات، كان صوتًا مختلفًا وحكاية حية لحي شعبي ينبض بالحياة، رغم كل ظروفه الصعبة. نجم الفيلم، محمود عبد العزيز، في دور الشيخ حسني، لم يكن مجرد رجل أعمى يقود دكانًا صغيرًا، بل كان صورة لكل إنسان يعاني في حياته، يبحث عن بصيص أمل وسط ظلام الروتين وألم البطالة.


الفيلم مأخوذ من رواية "مالك الحزين" للكاتب إبراهيم أصلان، والتي ترسم بدقة صورة المجتمع المصري من خلال تفاصيل حي الكيت كات، حيث الأحلام قيد الانتظار، والواقع يفرض نفسه بقوة. الشيخ حسني ليس فقط أعمى ببصره، بل يعاني من العمى الذي يصيب الروح حين يفقد الإنسان القدرة على رؤية نتائج جهوده وأحلامه، لكنه رغم ذلك يستمر في العيش، متشبثًا بما تبقى من أمل.


القصة تركز أيضًا على ابنه يوسف، الشاب الذي يعاني من البطالة والتحديات التي تواجه الشباب في تلك المرحلة، ويحلم بالهجرة إلى الخارج كفرصة للهروب من شبح البطالة والضياع. هذه التناقضات في الشخصية تعكس الصراع بين الرغبة في التغيير والخوف من الخسارة، وهو الصراع الذي يخوضه الكثيرون في مجتمعاتنا.


أكثر ما يميز الفيلم هو تلك اللحظات الصغيرة التي تكشف جانبا إنسانيا عميقا؛ لقاءات الشيخ حسني مع أصدقائه، جلسات الدخان، ألحان العود التي تصدح من دكانه، وجماليات الحياة في حي بسيط لكنه غني بالحكايات. كل ذلك صنع من "الكيت كات" لوحة فنية متكاملة، جمعت بين الواقع والخيال، بين الفرحة والحزن، بين الألم والحنين.


ليس الفيلم مجرد سرد لقصة بل هو تأمل في الحياة نفسها، في كيف يمكن للإنسان أن يعيش رغم كل الصعوبات، وكيف يمكن للأمل أن يولد من جديد حتى في أظلم اللحظات. "الكيت كات" هو أكثر من فيلم؛ هو رسالة إنسانية عميقة، وكل من شاهده وجده يعكس صورة نفسه، صورة هذا المجتمع بكل ما فيه من تناقضات وجمال.


وعليك إدراك أن في جوف الظلمة، يكمن جوهر الإنسان الذي لا ينكسر، حيث الحلم بحد ذاته فلسفة وجود ترفض الاستسلام

اكتب تعليق

أحدث أقدم