الوصول إلى العالمية.. حكاية "ليالي مصرية" التي تخطو نحو الضوء
✍️بقلم /آية محمود رزق
أن تصل إلى العالمية وأنت قادم من قلب مصر، من وسط التجارب المستقلة، هو تحدٍ ليس بالسهل. العالمية لا تأتي صدفة، ولا تمنح للفنان على طبق من ذهب، بل تُنتزع بالإصرار، والجرأة، والإيمان بأن الفن الحقيقي لا يعرف حدودًا. وفي هذا السياق، يطل علينا الفنان والكاتب سيد أبوبكر بتجربة تحمل الكثير من الأمل، بعدما أعلن أن آخر أعماله الفنية، فيلم "في البيت"، يشارك في المسابقة الرسمية للأفلام في إنجلترا وأمريكا وإسطنبول، ليضع اسمه واسم فرقته "ليالي مصرية" على خريطة الفن العالمي.
فيلم من الأدب الروسي إلى الشاشة العالمية
"في البيت" ليس مجرد فيلم عابر، بل هو عمل مستلهم من قصة للأديب الروسي الكبير أنطون تشيخوف، الذي يعد واحدًا من أبرز كتاب المسرح والقصص القصيرة في التاريخ الأدبي. أن يستلهم الفن المستقل المصري من تشيخوف هو رسالة مزدوجة: الأولى تؤكد أن الفن لغة عالمية قادرة على كسر حواجز اللغة والجغرافيا، والثانية تثبت أن الإبداع المحلي يمكن أن يعيد تقديم الكلاسيكيات العالمية برؤية جديدة تمس وجدان الجمهور أينما كان.
الفيلم جاء تحت إشراف المدرسة العربية للسينما، ومن إخراج المبدع حسن الحوت، الذي استطاع أن يحول النص المكتوب إلى صورة سينمائية تحمل روح الأدب، وملامح الواقع، ونبض الإنسان. وشارك في بطولته مصطفى الحريري، وإيمي أحمد، والطفل يوسف أحمد، ليجمع بين نضج الأداء وحيوية الوجوه الجديدة.
ليالي مصرية.. المسرح الذي ينبت من الأرض
لكن سيد أبوبكر لا يتوقف عند حدود السينما. فبينما يحتفل بمشاركة فيلمه في مسابقات دولية، يكشف عن مشروع مسرحي جديد بعنوان "وسع للترند"، من المقرر عرضه مع نهاية الموسم السنوي. العنوان وحده يشي بطاقة معاصرة، فهو يلتقط مصطلحًا من قلب العالم الرقمي، ويعيد صياغته على خشبة المسرح، حيث تختلط السخرية بالجدية، والفن بالواقع.
ومع ذلك، تبقى فرقة ليالي مصرية مختلفة عن غيرها. فهي فرقة مستقلة في رؤيتها واختياراتها، لا تسعى وراء التيار التقليدي، ولا تنساق خلف الإنتاج التجاري، بل تؤمن أن المسرح الحقيقي يولد من الحرية ومن الناس. لذلك، في كل عمل جديد، تفتح الفرقة أبوابها للبراعم الشابة، وتمنح الفرصة لنجوم المستقبل. هي أشبه بورشة مفتوحة للحياة، حيث يمتزج حلم الشباب بخبرة الكبار، ليولد فن نقي، أصيل، وصادق.
بين المحلية والعالمية.. الفن جسر إنساني
رحلة "ليالي مصرية" مع العالمية ليست مجرد انتصار شخصي للفنان سيد أبوبكر، بل هي انعكاس لحقيقة أوسع: أن العالمية تبدأ من المحلية. لا أحد يستطيع أن يكتب اسمه على خريطة الإبداع العالمي إذا لم يكن متجذرًا في واقعه، مرتبطًا بمجتمعه، منفتحًا على العالم.
من الأدب الروسي إلى خشبة المسرح المصري، من قاعات العرض المستقلة إلى المسابقات الدولية، يؤكد سيد أبوبكر أن الفن المستقل قادر على أن يعبر الحدود، إذا كان صادقًا، وإذا كان نابعًا من وجع الإنسان وأحلامه. فالعالمية ليست شعارًا يُرفع، بل هي رحلة تبدأ من خطوة صغيرة، من مسرح متواضع، من فرقة شابة تؤمن أن الإبداع لا يحتاج سوى إلى الإرادة.
نحو المستقبل.. مشاريع لا تعرف التوقف
ومع إعلان أبوبكر عن الاستعداد لعمل ضخم في خطة نصف العام القادم، تتضح ملامح رؤية مستقبلية متكاملة: السينما، المسرح، وتجديد الوجوه الشابة. إنها استراتيجية تقوم على أن الفن لا يتوقف، بل يتطور باستمرار، وأن الفنان الحقيقي لا يكتفي بإنجاز واحد، بل يواصل الحلم حتى آخر لحظة.
في النهاية، ما يقدمه سيد أبوبكر وفرقة "ليالي مصرية" هو أكثر من مجرد أعمال فنية. إنه مشروع ثقافي متكامل، يؤمن بأن مصر قادرة على أن تصدر فنها إلى العالم، وأن الفرقة المستقلة الصغيرة يمكن أن تفتح لنفسها أبواب العالمية، إذا امتلكت الشجاعة والرؤية.
العالمية، إذن، ليست بعيدة كما يظن البعض. إنها هنا، في مسرح صغير، في قصة مستوحاة من الأدب، في شغف طفل يقف لأول مرة أمام الكاميرا، وفي حلم كاتب يؤمن أن الفن رسالة لا تعرف الحدود.
إرسال تعليق