أسئلة لا تنتهي ...وأجوبة تفتح أبواب الغد
بقلم/آية محمود رزق
لا يظهر في المشهد كثيرًا، لكنه حين يتحدث يُحسن اختيار كلماته.. رجل اعتاد أن يزن الأمور بميزان القانون والسياسة معًا، فيترك أثرًا لا يُمحى. المستشار محمود علي محمد المجيبري ليس مجرد اسم يتردد في ساحات الانتخابات، بل مشروع رؤية كاملة تتجاوز حدود الشعارات التقليدية.
حين جلسنا معه، بدا وكأنه يحمل في جعبته أكثر مما يُقال، يفتح بعض الأبواب ويترك أخرى مواربة، وكأن الحوار معه رحلة داخل عقلية مختلفة. بين كل سؤال وإجابة، كنت تدرك أنك أمام شخصية تُخفي تفاصيل كثيرة، لكنها تُظهر ما يكفي لتعرف أنه يعرف طريقه جيدًا.
مائة سؤال وجواب لم تكن مجرد حوار صحفي، بل أشبه بقطع أحجية تتراص لتشكل صورة رجل يخطط بدقة، ويفكر بعمق، ويرى ما لا يراه الآخرون. في كلماته قوة هادئة، وفي خطته ملامح مشروع يتجاوز حدود الدائرة ليصنع نموذجًا للسياسة كما يجب أن تكون.
✍️ الحوار: الجزء الأول
س1: كيف ترى وضع الدائرة اليوم؟
ج: الدائرة تعاني من تراكمات سنوات طويلة من الإهمال، سواء في البنية التحتية أو الخدمات الأساسية. لكني أرفض وصفها باليائسة، لأنها تملك إمكانيات بشرية وطبيعية لو استُغلت جيدًا ستجعلها في مكانة مختلفة تمامًا.
س2: ما أول ملف ستضعه على مكتبك حال فوزك؟
ج: البنية التحتية. الطرق المتهالكة، وشبكات المياه والصرف، وانقطاع الكهرباء؛ كلها مشكلات تعطل أي خطط أخرى. هدفي أن أبدأ من الأساس قبل التفكير في الرفاهيات.
س3: كيف تنظر للشباب داخل الدائرة؟
ج: الشباب هم ثروة الدائرة، لكنهم للأسف مُهمشون. خطتي أن أجعلهم جزءًا من القرار، لا مجرد ناخبين. سأؤسس مجالس شبابية استشارية تساعدني في متابعة القضايا المحلية.
س4: ما خطتك لمواجهة البطالة؟
ج: البطالة تحتاج إلى حلول عملية، لا كلام. سأعمل على جذب استثمارات لإنشاء مشروعات صغيرة ومتوسطة، وأطلق برامج تدريب للشباب تؤهلهم لسوق العمل، مع تمويل مشروعاتهم عبر قروض ميسرة.
س5: ماذا عن الصحة؟
ج: الصحة بالنسبة لي "أمن قومي". المستشفيات بحاجة عاجلة لأجهزة حديثة وكوادر طبية متخصصة. سأطالب بزيادة ميزانية الصحة، وتوزيع عادل للأطباء بحيث لا تترك القرى محرومة من الخدمة.
س6: كيف ستطور التعليم؟
ج: التعليم هو حجر الأساس. لن يتطور إلا برد الاعتبار للمدرس، وتحسين بيئة المدارس، وإدخال أنشطة رياضية وثقافية. هدفي القضاء على ظاهرة الدروس الخصوصية بتقوية المدرسة أولًا.
س7: وماذا عن دور المرأة؟
ج: المرأة نصف المجتمع وصوتها يجب أن يكون حاضرًا. سأدعم مشاركتها في المشروعات الاقتصادية، وأساندها بقوانين تحمي حقوقها، وسأشجع وجودها في مواقع اتخاذ القرار.
س8: هل لديك برنامج مكتوب أم مجرد شعارات؟
ج: برنامجي مكتوب بالتفصيل، ويتضمن خطط قصيرة المدى وأخرى طويلة. لا أؤمن بالشعارات، بل بالأفعال. وكل نقطة وضعتها قابلة للتنفيذ وليس مجرد حبر على ورق.
س9: البعض لا يثق في وعود المرشحين، ماذا تقول؟
ج: أنا أشاركهم هذا الشك، لأن الناس شبعوا وعودًا كاذبة. لذلك أعد فقط بما أستطيع إنجازه، وأعتبر الصدق مع الناخبين أهم من أي دعاية.
س10: ما المختلف في خطتك عن غيرك؟
ج: المختلف أنني لا أبحث عن منصب أو وجاهة. أبحث عن خدمة حقيقية. برنامجي عملي، مبني على الواقع لا على الأمنيات، ويركز على التنفيذ بدلًا من الكلام.
س11: كيف ستدير علاقتك مع المواطنين؟
ج: سأكون دائمًا وسط الناس. لن أغلق بابي، وسأعقد لقاءات شهرية مع الأهالي للاستماع لمشاكلهم مباشرة. النائب خادم للناس لا سيدًا عليهم.
س12: هل ستعتمد على لجان استشارية؟
ج: نعم، لأن القرارات الصحيحة لا تأتي من فرد واحد. سأكوّن لجانًا من خبراء وشباب من أبناء الدائرة لمناقشة كل الملفات قبل اتخاذ القرار.
س13: كيف ستتعامل مع أزمة الطرق؟
ج: الطرق عصب الحياة. سأضغط لوضع خطة صيانة دورية، وأطالب بتوسعة الطرق الرئيسية، مع رصف الطرق الحيوية التي تخدم القرى.
س14: ما تصورك عن المياه والصرف الصحي؟
ج: استكمال مشروعات الصرف الصحي المتوقفة أولوية، وتوصيل الخدمة إلى القرى المحرومة. أما المياه، فأعتبر وصول مياه نظيفة لكل منزل حق لا نقاش فيه.
س15: ماذا عن ملف الكهرباء؟
ج: تطوير الشبكات القديمة وتغيير المحولات المتهالكة لضمان خدمة مستقرة، مع متابعة العدالة في التوزيع لتقليل الانقطاعات خاصة في الصيف.
س16: ما موقفك من الاستثمار الزراعي؟
ج: الزراعة هي هوية منطقتنا. سأدعم الفلاح بتوفير مستلزمات الإنتاج بأسعار عادلة، وأطالب بوجود آلية لتسويق المحاصيل تضمن له الربح العادل.
س17: هل لديك خطة لدعم الصناعة؟
ج: نعم، عبر إنشاء مناطق صناعية صغيرة تضم ورشًا للشباب، مع دعم الصناعات الحرفية والتراثية. الصناعة هي الحل الأمثل للبطالة.
س18: ماذا عن السياحة الداخلية؟
ج: منطقتنا غنية بتراثها. سأعمل على تسويق الأماكن التاريخية وتنظيم مهرجانات محلية تجذب الزوار، بما ينعش الاقتصاد ويوفر فرص عمل.
س19: كيف ستواجه الفساد الإداري؟
ج: بالشفافية والرقابة. سأطالب بإعلان تقارير دورية عن الأداء، وسأفتح الباب أمام مشاركة المجتمع المدني في متابعة المشروعات.
س20: ما أهم قيمة سياسية تؤمن بها؟
ج: أن يكون النائب صوت الناس، لا مجرد واجهة للسلطة. السياسة الحقيقية هي الدفاع عن حقوق المواطن البسيط.
س21: كيف ترى دور البرلمان؟
ج: البرلمان ليس منصة للشهرة، بل مؤسسة للتشريع والرقابة. إذا فقد هذا الدور، فقد معناه.
س22: هل ستواجه الحكومة عند التقصير؟
ج: بالتأكيد، فالنائب الذي يخشى المواجهة لا يستحق المقعد. دوري أن أراقب وأحاسب، لا أن أجامل.
س23: ما رؤيتك للعدالة الاجتماعية؟
ج: العدالة الاجتماعية تعني أن يحصل كل مواطن على حقه في الصحة والتعليم والعمل الكريم. لن يكون هناك استقرار دون عدالة.
س24: ماذا عن الشباب الخريجين؟
ج: سأطلق برامج لتمويل مشروعاتهم، وأؤسس شراكات مع مؤسسات تدريبية لتأهيلهم لسوق العمل بدلًا من انتظار الوظائف الحكومية.
س25: كيف ستدعم ذوي الاحتياجات الخاصة؟
ج: سأضمن لهم فرص عمل حقيقية في المؤسسات، مع دعم مادي ومعنوي، وتوفير ممرات وخدمات خاصة في المرافق العامة.
س26: ما موقفك من الأسعار وارتفاع المعيشة؟
ج: سأضغط لتشديد الرقابة على الأسواق وتوسيع مظلة الدعم، خاصة للفئات الأكثر احتياجًا. لا يجوز أن يعيش المواطن أسيرًا لجشع التجار.
س27: هل تؤمن بأهمية الثقافة والفن؟
ج: نعم، الثقافة والفن سلاح ضد الجهل والتطرف. سأدعم إقامة أنشطة ثقافية للشباب وأشجع المواهب المحلية.
س28: ماذا عن الرياضة؟
ج: الرياضة وقاية من الانحراف وصحة للشباب. سأدعم مراكز الشباب بالملاعب والتجهيزات، وأطالب ببرامج لاحتضان المواهب.
س29: كيف ستواجه الهجرة غير الشرعية للشباب؟
ج: بتوفير فرص عمل بديلة داخل البلد. الشاب لا يغامر بحياته في البحر إلا إذا انقطعت به السبل. هدفي أن أفتح له أبواب الأمل هنا.
س30: ما أبرز ما يقلقك في الدائرة؟
ج: غياب العدالة في توزيع الخدمات بين القرى. هناك قرى تعيش كأنها خارج الزمن، وهذا غير مقبول.
س31: كيف ستضمن مشاركة المواطنين في قراراتك؟
ج: بعقد لقاءات دورية مفتوحة، واستقبال مقترحاتهم عبر مكاتب تواصل دائمة. صوت المواطن هو بوصلة النائب.
س32: هل تؤمن بأهمية الإعلام المحلي؟
ج: الإعلام المحلي هو عين المواطن ولسانه. سأدعمه لأنه أداة للرقابة والتوعية المجتمعية.
س33: كيف ستواجه أزمة الدروس الخصوصية؟
ج: بتقوية التعليم الحكومي أولًا، وتوفير حوافز للمدرسين. الدروس الخصوصية عرض لمرض أكبر هو ضعف المدرسة.
س34: ما خطتك لدعم الفلاحين؟
ج: سأطالب بضمان سعر عادل للمحاصيل، وتوفير القروض الميسرة، وإنشاء جمعيات تسويق زراعي تحميهم من الاستغلال.
س35: كيف ترى دور المرأة السياسي؟
ج: المرأة شريك كامل في القرار. يجب أن تُمنح الفرصة الكاملة للترشح والمشاركة في صنع السياسات.
س36: ما موقفك من الفساد المالي؟
ج: لا تسامح فيه. أي فساد مالي هو سرقة من قوت الناس. سأطالب بآليات محاسبة صارمة.
س37: هل ستعتمد على التكنولوجيا في خدمتك للناس؟
ج: نعم، سأطلق منصات إلكترونية لتلقي الشكاوى والمقترحات، لأن التكنولوجيا تقرّب المسافة بين المواطن ونائبه.
س38: ماذا عن النقل والمواصلات؟
ج: سأعمل على تطوير المواقف وتنظيم خطوط السير، مع المطالبة بدعم وسائل نقل جديدة لخدمة القرى النائية.
س39: هل لديك خطة للبيئة؟
ج: نعم، سأطلق مبادرات للتشجير وإدارة المخلفات، وأطالب بإنشاء محطات تدوير صغيرة داخل الدائرة.
س40: ما موقفك من دعم الشباب الموهوب؟
ج: سأوفر لهم منحًا للتدريب، ومساحات لعرض أعمالهم، ودعمًا ماديًا ومعنويًا يليق بقدراتهم.
س41: كيف ستواجه الأمية؟
ج: بفتح فصول محو أمية في كل قرية، مع تحفيز المدرسين والمتطوعين، وربط محو الأمية بالحوافز الاجتماعية.
س42: ما رؤيتك للتنمية المستدامة؟
ج: التنمية المستدامة تعني أن نستثمر مواردنا دون أن نبددها، وأن نبني للأجيال القادمة، لا أن نستهلك حاضرنا فقط.
س43: هل ستنسق مع نواب آخرين؟
ج: بالتأكيد. التنسيق قوة وليس ضعفًا. مصلحة المواطن لا تتحقق إلا بالتعاون بين النواب.
س44: ما رسالتك للخصوم السياسيين؟
ج: التنافس شريف، والهدف هو خدمة الناس. عدونا الحقيقي هو الفقر والتهميش، لا بعضنا البعض.
س45: كيف ستواجه قلة الثقة بين المواطن والنائب؟
ج: بالعمل لا بالكلام. الناس لا تحكم إلا بالفعل، وإذا رأوني أفي بعهدي ستعود الثقة.
س46: هل لديك تصور عن العمل الخيري؟
ج: نعم، لكن بشكل منظم ومؤسسي. العمل الخيري يجب أن يتحول إلى مشاريع دائمة، لا مساعدات عابرة.
س47: ما موقفك من التعليم الفني؟
ج: التعليم الفني هو مفتاح سوق العمل. سأطالب بدعمه وتطوير مناهجه، لأنه بوابة الصناعات الحديثة.
س48: كيف ستدير مكتبك الانتخابي بعد الفوز؟
ج: سيكون مكتب خدمة للمواطنين، مفتوحًا طوال الوقت، ويضم فريقًا لمتابعة الشكاوى وحلها بسرعة.
س49: ما أهم صفة في النائب؟
ج: الصدق والشجاعة في مواجهة الواقع. النائب الذي يخشى قول الحقيقة لا يستحق ثقة الناس.
س50: ماذا تقول للناخب الآن؟
ج: صوتك أمانة، وأنا أتعهد أن أكون خادمًا لهذه الأمانة، لا سيدًا عليها.
ختام الجزء الأول
خمسون سؤالًا أجاب عنها المستشار محمود علي محمد المجيبري بوضوح وعمق، كاشفًا عن مشروع رجل لا يسعى لكرسي بقدر ما يسعى لمسؤولية. نصف الحوار كشف عن رؤيته في الخدمات والتنمية والناس، والنصف الآخر ينتظر في الجزء الثاني ليكشف مواقفه من العدالة الاجتماعية، الفساد، المشاركة السياسية، وأحلام الشباب في مستقبل أفضل.
ما بين السؤال والقدر.. رحلة في أعماق السياسة
بقلم: آية محمود رزق
الجزء الثاني
الجزء الأول كان مجرد العتبة.. أما هنا فنحن ندخل القاعة المظلمة التي تتسع كلما توغلنا فيها. المستشار محمود علي محمد المجيبري لم يعد يجيب بصفته رجل سياسة فحسب، بل بصفته شاهدًا على زمن يموج بالتغيّرات، وصوتًا يحاول أن يرسم طريقًا في العتمة.
في هذا الجزء، تتجاوز الأسئلة حدود المباشر لتطرق أبواب المجهول: عن المصير، عن التحديات، عن الحلم الذي يقاوم السقوط. الكلمات لم تعد مجرد حروف، بل شظايا نور تكشف ملامح مشروع أكبر من الوعود، وأعمق من حسابات المقاعد.
هنا يبدأ الحوار الحقيقي.. وهنا فقط يُدرك القارئ أن ما قيل من قبل لم يكن سوى المقدمة لصوتٍ يزداد وضوحًا كلما اشتد الغموض من حوله.
س51: ما الذي يمثله الوطن بالنسبة لك؟
ج: الوطن عندي ليس مجرد قطعة أرض نعيش فوقها أو خريطة في كتاب جغرافيا. الوطن هو كرامة الناس، هو تاريخهم، هو أحلام أطفالهم ودماء شهدائهم. إذا ضاع الوطن ضاعت معه الهوية والمستقبل معًا. لذلك أعتبر أن حماية الوطن أهم من أي مكسب شخصي، لأنك إذا خنت وطنك فأنت في الحقيقة خنت نفسك.
س52: هل تعتبر نفسك رجل سياسة أم رجل موقف؟
ج: أنا أمارس السياسة كأداة، لكني أعيش الموقف كقناعة. السياسة قد تتغير، لكن الموقف لا يتغير إلا إذا تغيرت المبادئ. لذلك أفضل أن يُقال عني "رجل موقف" لا "رجل سياسة"، لأن الموقف الصادق هو الذي يحمي السياسة من الانحراف.
س53: كيف ترى مستقبل مصر القريب؟
ج: المستقبل ليس سهلاً، التحديات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية كثيرة، لكني أرى أن مصر تملك فرصة ذهبية إذا استثمرت في شبابها وبنيتها التحتية ومواردها الطبيعية. نحن بحاجة لإدارة رشيدة تقرأ التغيرات العالمية بوعي، وتستعد لها بدلًا من أن تُفاجأ بها.
س54: ماذا تقول للشباب الذين فقدوا الثقة في السياسة؟
ج: أقول لهم إن السياسة لن تُصلح بدونكم، وأن ترككم للميدان هو أكبر خسارة. إذا انسحبتم أنتم، سيبقى الفاسدون وحدهم في الساحة. شاركوا حتى لو شعرتم أن أصواتكم صغيرة، لأنها في الحقيقة هي التي تصنع التغيير على المدى البعيد.
س55: هل تؤمن بالصدفة في السياسة؟
ج: لا أؤمن أن الصدفة تصنع مستقبل أمة. كل ما نعيشه اليوم هو نتيجة تراكمات قرارات وخيارات تم اتخاذها بالأمس. قد تحدث مفاجآت، لكن الصدفة وحدها لا تحكم مصير الشعوب.
س56: ما هو أكبر خطأ قد يرتكبه السياسي؟
ج: أن يتخلى عن ضميره في سبيل منصب أو مكسب، وأن يبيع نفسه مقابل لحظة مجد زائف. السياسي الذي لا يضع مصلحة الناس أولًا سيسقط مهما طال الوقت، حتى لو اعتقد أنه منتصر.
س57: ما الرسالة التي تحاول إيصالها من خلال هذا الحوار؟
ج: رسالتي أن السياسة ليست استعراضًا ولا شعارات، بل مسؤولية أخلاقية قبل أن تكون مسؤولية قانونية. السياسي الحقيقي هو من يتعامل مع السياسة كأمانة، وليس كلعبة يتلاعب فيها بمصائر الناس.
س58: كيف ترى نفسك بعد عشر سنوات؟
ج: أرى نفسي مشروعًا فكريًا أكثر من كوني مجرد سياسي. أريد أن أترك وراءي رؤية متكاملة يمكن أن تبني عليها الأجيال القادمة. المهم عندي أن تظل أفكاري حيّة حتى لو غبت أنا.
س59: ما الذي تتمنى أن يكتبه التاريخ عنك؟
ج: أتمنى أن يكتب أنني لم أساوم على الحق ولم أخن ضميري. لا أريد ألقابًا ولا مجدًا فارغًا، يكفيني أن أُذكر كواحدٍ وقف في صف الناس حين احتاجوا لمن يقف بجانبهم.
س60: هل تخشى الفشل؟
ج: لا أخشاه بقدر ما أخشى أن أستسلم له. الفشل تجربة تعلّم، لكنه يصبح لعنة فقط عندما نرضى به ونتوقف عن المحاولة.
س61: ما هو تعريفك للقيادة؟
ج: القيادة أن تتحمل وجع الطريق وتمنح الأمل للآخرين. أن تضع نفسك في الصفوف الأولى وقت الخطر، وتترك المجد للناس وقت النجاح.
س62: هل يمكن للسياسة أن تصلح كل شيء؟
ج: السياسة تفتح الأبواب، لكنها لا تستطيع وحدها أن تبني. المجتمع نفسه هو الذي يصنع النهضة، والسياسي مجرد مُسهّل ومُنظم.
س63: كيف تصف رحلتك حتى الآن؟
ج: رحلة مليئة بالصعاب والتضحيات، لكنها صنعت شخصيتي ومنحتني الصلابة. كل عثرة كانت درسًا، وكل هزيمة كانت فرصة لأفهم نفسي والناس أكثر.
س64: هل تعتبر نفسك محظوظًا؟
ج: الحظ بالنسبة لي ليس صدفة، بل ثمرة جهد وصبر طويل. قد تأتي لحظة توفيق من عند الله، لكنك لن تستفيد منها إذا لم تكن قد تعبت وأعددت نفسك لها.
س65: أصعب لحظة واجهتها؟
ج: أن أُوضع أمام خيار بين المبدأ والمصلحة، وبين الصواب والراحة. اخترت المبدأ رغم أن الطريق كان أصعب، لكنني لم أندم أبدًا.
س66: ما سلاحك في مواجهة الأزمات؟
ج: الصبر أولًا، ثم التفكير بهدوء واتخاذ القرار في اللحظة المناسبة. التهور يضاعف الأزمة، بينما الهدوء يكشف الطريق.
س67: ماذا تعني لك الكلمة؟
ج: الكلمة عهد. السياسي الذي لا يحترم كلمته لا يستحق ثقة الناس. الكلمة الصادقة قد تغيّر مصير أمة، أما الكاذبة فتسقط صاحبها سريعًا.
س68: هل لديك خطوط حمراء في السياسة؟
ج: نعم، كرامة الإنسان خط أحمر لا يُمس، ومصلحة الوطن لا تقبل المساومة.
س69: كيف ترى المعارضة؟
ج: المعارضة الحقيقية ضرورة وليست عيبًا. هي مرآة تكشف أخطاء السلطة وتمنعها من الاستبداد. بدون معارضة جادة لا توجد ديمقراطية.
س70: رسالتك للجيل الجديد؟
ج: لا تنتظروا أن يُمنح لكم المستقبل على طبق من ذهب. اصنعوه بأنفسكم. أنتم أصحاب الكلمة في القادم، فلا تتركوها لغيركم.
س71: كيف ترى الإعلام اليوم؟
ج: الإعلام سلاح ذو حدين. قد يبني وعيًا جديدًا، وقد يهدم أمة إذا تحول إلى بوق. لذلك لا بد أن يكون حرًا ومسؤولًا في آن واحد.
س72: هل تؤمن بالسياسة الرقمية؟
ج: نعم، العالم يتغير بسرعة. السياسة القادمة ستكون عبر التكنولوجيا، ومن يتأخر في هذا المجال يخسر معركته قبل أن تبدأ.
س73: علاقتك بالثقافة والفكر؟
ج: الثقافة عندي هي الحصن الحقيقي ضد التطرف والجهل. السياسي الذي لا يقرأ ولا يتثقف يسقط عند أول اختبار.
س74: هل ترى أن المال يحكم السياسة؟
ج: المال قد يشتري الدعاية أو الصوت في لحظة، لكنه لا يشتري الشرعية. الشرعية تصنعها الثقة، وهذه لا تُشترى.
س75: هل يعرف الشعب قوته الحقيقية؟
ج: الشعب يملك قوة جبارة، لكنه في كثير من الأحيان ينسى أو يتنازل عنها. إذا استيقظ ووعى قوته فلن يقف أمامه شيء.
س76: فلسفتك في الحياة؟
ج: أن أترك أثرًا يبقى بعدي، أثرًا يُذكرني به الناس كمن ساعدهم لا من استغلهم.
س77: من أين تستمد قوتك؟
ج: من إيماني بالله أولًا، ومن ثقة الناس بي ثانيًا. حين أرى أملهم في عيونهم أعلم أن عليّ ألا أتراجع.
س78: هل تؤمن بالحلم؟
ج: نعم، كل مشروع عظيم في التاريخ بدأ بحلم. لكن الحلم بلا عمل مجرد وهم.
س79: ما علاقتك بالزمن؟
ج: الزمن ليس عدوًا كما يظن البعض، بل شريك يختبر صبرك. من يتعلم التعامل معه يكسب، ومن يظن أنه يتحداه يخسر.
س80: هل تخشى خيانة المقربين؟
ج: الخيانة مؤلمة، لكنها لا تهزني. من يخون يجرح نفسه قبل أن يجرحني.
س81: أهم درس تعلمته؟
ج: أن الصبر والانضباط هما أقوى سلاحين في مواجهة الحياة.
س82: هل تؤمن بالحرية المطلقة؟
ج: الحرية بلا مسؤولية تتحول إلى فوضى، لذلك لا بد أن تُوازن بالوعي والانضباط.
س83: ماذا تقول لمن يراك غامضًا؟
ج: أقول له إن الغموض ليس ضعفًا، بل أحيانًا ضرورة لحماية الفكرة حتى تنضج.
س84: هل لديك قدوة سياسية؟
ج: لا أضع شخصًا بعينه، لكن أستلهم من كل من ضحى من أجل وطنه بلا مقابل، سواء كان معروفًا أو مجهولًا.
س85: رأيك في الفساد؟
ج: الفساد سرطان يأكل الدولة من الداخل. إذا لم نقطع رأسه فسينهار كل شيء مهما بدت الصورة قوية.
س86: ما معنى العدالة عندك؟
ج: العدالة هي أن يحصل كل إنسان على حقه كاملًا دون تمييز. هي أساس الحكم، وبلا عدل لا دولة.
س87: أقوى سلاح للشعوب؟
ج: الوعي. الشعوب الواعية لا تُهزم حتى لو كانت فقيرة.
س88: هل تؤمن بالقدر؟
ج: نعم، لكنني أؤمن أيضًا أن السعي جزء من القدر. ما لم تسعَ لن يتحقق شيء.
س89: ماذا تعني لك الأسرة؟
ج: الأسرة هي الجذر الذي يمدني بالقوة مهما عصفت الرياح. هي الوطن الصغير الذي يقوّي ظهري.
س90: هل تعتبر نفسك عاطفيًا؟
ج: نعم، داخلي إنسان مليء بالعاطفة، لكنني لا أسمح لها أن تتحكم في قراراتي. العاطفة تمنحني القدرة على فهم الناس والشعور بآلامهم، لكنها أبدًا لا تكون حَكَمًا على مواقفي السياسية. أوازن دائمًا بين القلب والعقل، لأن من يعتمد على قلبه وحده ينهار، ومن يعتمد على عقله وحده يتحول إلى آلة بلا روح.
س91: مفهومك عن القوة؟
ج: القوة ليست في الصراخ ولا في البطش، بل في القدرة على السيطرة على النفس أولًا. أن تواجه خصمك شيء، لكن أن تواجه نفسك شيء أعظم. القوة الحقيقية عندي هي أن تملك شجاعة القرار، وحكمة الصبر، وصلابة المبدأ، حتى وإن كنت وحدك.
س92: هل تخاف الوحدة؟
ج: الوحدة قد تكون مخيفة لمن لا يملك قضية، لكنها بالنسبة لي مساحة للتأمل وإعادة شحن الروح. الوحدة جعلتني أكثر وضوحًا مع نفسي، وأكثر صلابة في مواقفي. نعم، الإنسان بطبعه اجتماعي، لكن حين تحمل فكرة أكبر من ذاتك، فإن الوحدة تتحول إلى رفيق لا إلى عدو.
س93: ماذا تعني لك الكرامة؟
ج: الكرامة عندي أغلى من الحياة نفسها. يمكن أن أتنازل عن أي شيء إلا عنها. الكرامة هي أن تقف شامخًا حتى لو خسرت كل شيء، وأن تقول "لا" حين يصرخ الجميع "نعم" لمصلحة زائفة. من فقد كرامته فقد هويته، ومن فقد هويته مات وهو على قيد الحياة.
س94: ماذا عن الصمت؟
ج: الصمت ليس هروبًا كما يظن البعض، بل أحيانًا هو أبلغ من كل الكلمات. هناك لحظات يكون فيها الكلام استهلاكًا بلا جدوى، بينما الصمت يصبح موقفًا مدويًا. تعلمت أن الصمت في السياسة قد يوجع أكثر من الخطب الطويلة، لأنه يترك الآخرين في حيرة: ماذا يُخفي؟ ماذا يخطط؟ وهذا في ذاته قوة.
س95: هل تندم على شيء؟
ج: أندم فقط على لحظات التردد التي جعلتني أترك حقًا يضيع أو ظلمًا يمر دون رد. لكنني لا أندم على المواقف التي اتخذتها دفاعًا عن الحق حتى وإن دفعت ثمنها غاليًا. الندم عندي ليس جلدًا للذات، بل درسًا يدفعني إلى أن أكون أكثر حسمًا وصلابة في المستقبل.
س96: السياسة فن أم علم؟
ج: السياسة عندي هي الاثنين معًا. هي علم حين تبنيها على أرقام ودراسات وحسابات دقيقة، وهي فن حين تترجم هذا العلم إلى مواقف وحلول على أرض الواقع. هي فن الممكن كما يقولون، لكنها أيضًا علم المستحيل، لأن السياسي الحقيقي هو من يحوّل المستحيل إلى واقع.
س97: سر قوتك في المواقف الحرجة؟
ج: سر قوتي أنني لا أترك نفسي رهينة للخوف أو التردد. في الأزمات، لا بد أن تكون مثل القائد في العاصفة: ثابتًا حين يهتز الجميع، حاضرًا حين يغيب الآخرون. أستمد قوتي من ثقتي بالله أولًا، ثم من إيماني بأن الحق لا يُهزم حتى وإن طال الطريق.
س98: ما هو النجاح بالنسبة لك؟
ج: النجاح ليس مجرد منصب أو سلطة أو أرقام تُكتب في السجلات. النجاح عندي أن أظل وفيًا لمبادئي، وأن أرى أفكاري تتحول إلى واقع يلمسه الناس. النجاح أن أترك أثرًا في قلوب من مررت بحياتهم، وأن أُذكَر يومًا ما بأنني لم أخن قضيتي.
س99: هل ترى أن النهاية أهم من البداية؟
ج: كلاهما مهم، لكنني أؤمن أن البداية ترسم الطريق، بينما النهاية تُثبت القيمة. البداية هي الشرارة التي تُشعل الحلم، لكن النهاية هي الخاتمة التي تُخبر العالم: هل كان الحلم يستحق أم لا. لذلك أسعى دائمًا لأن أجعل كل بداية قوية، وكل نهاية مشرفة.
س100: بكلمة واحدة.. من أنت؟
ج: أنا رجل آمن بأن الكلمة قد تغيّر مصير أمة، وأن المبدأ إذا لم يكن أثمن من الحياة فلا قيمة له. أنا المجيبري.. الإنسان قبل أن أكون السياسي.
حين انتهى الحوار عند السؤال الأخير، لم يكن الصمت نهاية، بل كان بداية لصوت آخر يعلو من بين الكلمات. المستشار محمود علي محمد المجيبري لم يترك وراءه مجرد إجابات، بل ترك أبوابًا مشرعة على أسئلة أكبر، وكأن كل جواب هو وعد بمرحلة جديدة، أو إشارة إلى مستقبل لم يُكتب بعد.
لم يكن الحوار معه حوارًا عاديًا، بل كان رحلة في دهاليز الفكر والسياسة والإنسان، رحلة تكشف أن الرجل لا يتحدث ليُرضي، ولا يتهرّب ليحتمي، بل يضع الحقيقة عارية أمام من يجرؤ على النظر.
في النهاية، قد يظن البعض أن هذا آخر السطور، لكنه في الحقيقة هو بداية النص الغائب.. النص الذي لم يُكتب بعد، والذي سيظل معلقًا بين سؤال لم يُطرح، وإجابة تنتظر زمنها لتُقال.
إرسال تعليق