الأيام دول: حكمة الموروث الشعبي

الأيام دول: حكمة الموروث الشعبي


الأيام دول: حكمة الموروث الشعبي

بقلم: فاطمة زيدان
باحثة دكتوراة في التاريخ والتراث
 

          "عِش رجبًا ترى عجبًا" من أقوال الجاهلين، وتعد من الأمثال الشعبية التي تداولها السابقون واللاحقون. وكان لكل مثل أو قول قصة وراءه، وسبب قيلت فيه.  فقد روى أبو عبيد البكري أن أهل الجاهلية كانوا يؤخرون مظاليمهم إلى رجب، ثم يأتون إلى الكعبة يدعون ربهم ألا تتأخر عقوبة من ظلمهم، كما يعتقدون. فكان المظلوم يقول للظالم: "عِش رجبًا ترى عجبًا"، أي: عش أيها الظالم رجبًا بعد رجب، وسوف ترى العجب. وهذا يدل على تعاقب السنوات وعدم نسيان المظلوم ما تعرض له من الظلم.
كما تتفاوت الشهور والأيام كما يتفاضل الناس، فشهر رمضان هو أفضل شهور السنة، ويوم الجمعة أفضل أيام الأسبوع، وليلة القدر أفضل الليالي، وشهر رجب من الأشهر الحُرُم التي ثبتت حرمتها في الكتاب والسنة. قال تعالى:
"إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ"
أما عن علاقة الجاهلية بشهر رجب، فقد كان أهل الجاهلية يتخذونه موسمًا وعيدًا، ويذبحون فيه "العتيرة"، وهي ذبيحة للتقرب بها إلى الأصنام. وعندما جاء الإسلام أبطل ذلك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: "لا عتيرة في الإسلام".
وقيل إن أول من قال المثل الحارث بن عباد بن ضبيعة بن قيس بن ثعلبة، وذلك عندما طلق واحدة من نسائه، وصار مسنًا فكرهته، وفضلت عليه رجلاً آخر وتزوجته. وعندما التقى الحارث بزوجها الجديد وأخبره بما حصل، قال له: "عِش رجبًا ترى عجبًا"، أي عش رجبًا بعد رجب، وحينما يستمر بك العمر وتبلغ من الكبر مبلغًا سترى تقلبها عليك وهجرها لك.
وعندما سُئل عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن ذلك، قال: "نحن اليوم مع الإسلام، ندعو على الظالم فلا يُجاب في أكثر الأحيان"، ثم أضاف: إن الله عز وجل لم يعجل العقوبة للكفار ولا للفساق، وقد قال الله فيهم في سورة القمر: بَلِ السَّاعَةُ مَوْعِدُهُمْ وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ.
كم نحن بحاجة إلى الاستشهاد بمثل هذا المثل لمواساة كل مظلوم، لكل شخص قد تعرض للظلم والقهر. عِش رجبًا ترى عجبًا! أيها المظلوم الذي لا ينام قهراً ووجعًا، إن الأيام دول، فهي لا تدوم على حال، ولا تدوم لإنسان. يجب أن يعلم الظالم أن كل شر يفعله، وكل خير يمنعه سوف يرد عليه يومًا ما. فلو يعلم المسيء طبيعة الحياة ما قدم إلا الخير. وعندما تنقلب عليه الأيام ويتعرض لنوائب الدهر ومصائبه، لا يبقى للإنسان إلا الخير الذي قد فعله في الرخاء، والأثر الطيب الذي تركه وراءه.
ويقول علي بن أبي طالب: "أما والله إنَّ الظلم شؤمٌ، ولا زال المسيء هو الظلوم إلى الديان يوم الدين نمضي، وعند الله تجتمع الخصوم، ستعلم في الحساب إذا التقينا غدًا عند الملك من الغشوم".
فلنصبر، ولنحسن الظن بالله، فالدنيا دول، وكل ظلم يُجازى، وكل حق له وقته في الظهور. عِش رجبًا ترى العجب، واصبر، فالأيام لا تخلف المظلوم، والعدل لا يضيع عند الله.
وأخيرًا يا صديقي الظلم مهما طال، والدهر مهما قسى، لا يدوم، والعدل في نهاية المطاف سيظهر، فصبرك وصوابك هما زادك، وعِش رجبًا ترى عجبًا..

اكتب تعليق

أحدث أقدم