كنْ نفسك..بقلم: فاطمة زيدان باحثة دكتوراة في التاريخ والتراث

كنْ نفسك..بقلم: فاطمة زيدان باحثة دكتوراة في التاريخ والتراث



كنْ نفسك..
بقلم: فاطمة زيدان
باحثة دكتوراة في التاريخ والتراث
 

في زحام عالمنا المليء بالمقارنات، هل ما زلتَ تسمع صوتك الداخلي؟ أم غطى ضجيج الآخرين على همسك الحقيقي؟
هل جربت أن تسأل نفسك يومًا: ما معنى النجاح حقًا؟
أهو أن تصل إلى ما وصل إليه الآخرون، أم أن تمضي بخطواتك أنت، في زمنك أنت؟
فلكل إنسان رحلته الخاصة، وزمنه المختلف، وخطّه الذي لا يشبه أحدًا.
في زمن تتسابق فيه الخطوات ويزداد ازدحامًا بالصوت والصورة، أصبحنا نُقارن خطواتنا بخطوات الآخرين دون وعي، ونقيس قيمتنا بعدد الإنجازات التي نُعلنها لا التي نعيشها ، حتى صار من السهل أن يختلط علينا معنى النجاح، وأن نرهق أنفسنا ونحن نحاول اللحاق بظلال الآخرين؛ أصبحنا نلهث خلف صورة مثالية صنعها الآخرون وننسى أن لكلٍ منا رحلته الخاصة نرى فقط ما يحققونه من إنجازات، فنظن أن الطريق الذي ساروا فيه هو طريقنا، وأن النتيجة التي وصلوا إليها هي ما يجب أن نصل إليها نحن أيضًا، وهكذا نحمل قلوبنا فوق طاقتها، وننسى أن لكل منا رحلته الخاصة وزمنه المختلف عن الآخر.
إن المقارنة يا صديقي عبء خفي فهي سارق للرضا، تُربك القلب وتُطفئ الشغف. نحن لا نرى من حياة الآخرين سوى الواجهة اللامعة التي يختارون إظهارها، لكننا لا نعلم عن ثمنها شيئًا. فكم من نجاح ظاهري كان وراءه تعب شديد وتحدي داخلي، وكم من ابتسامة على الشاشات أخفت وجعًا عميقا لذلك، لا تُرهق نفسك يا صديقي بمحاولة مجاراة أحد، فالله كتب لكل إنسانٍ نصيبه من الخطوات والمواسم، ولن تتشابه الرحلات مهما تشابهت المظاهر.
النجاح ليس محطة تصل إليها، بل طريق تسير فيه والسعي هو القيمة الحقيقية التي تسبق كل إنجاز أن تسعى يعني أن تؤمن بأن الحركة خير من السكون، وأن المحاولة مهما كانت صغيرة خير من الانتظار العقيم. فالسعي هو ما يمنح الحياة معناها، وهو ما يربط بين الحلم والواقع، و بين الرجاء والنتيجة 
قد تتأخر الثمار، وقد يطول الطريق، لكن طالما تسعى وتتعلم وتنهض بعد كل عثرة، فأنت ناجح بمعنى الكلمة. لا تجعل النجاح في عيون الناس هو ميزانك، بل اجعل قدرتك على الاستمرار والبحث والعمل بصمت، هي معيارك الحقيقي، ولا تنس أن السعي وحده… قد يكون هو النتيجة.

لكل منا عالمه الخاص، ولكلٍّ منا إنجازاته الخفية التي لا تُرى، قد تكون هذه الإنجازات أعمق وأعظم من كل ما يُعلن عنه الناس، أن تكون قادرًا على البدء من جديد، وأن تواصل كل يوم رغم التعب، هذا في حد ذاته إنجاز عظيم. ومن أعظم الإنجازات أيضًا، أن تملك قلبًا لا تُعطله الأحزان عن السعي، ولا تُثنيه الخيبات عن المحاولة.

ولذلك يا صديقي، كن نفسك فإن من أعظم الإنجازات أن تظل نفسك حقًا في عالم يحاول أن يجعلك مثل الجميع، أن تحافظ على تفردك وسط زحام الأصوات، وأن تختار طريقك دون خوف من اختلافك. فكل إنسانٍ يحمل في داخله بذرةً فريدة لا تشبه أحدًا، ولن تثمر إلا إذا رويتها بالرضا والسعي والإيمان.
وأخيرًا لا تُرهق نفسك، ولا تحملها ما لا طاقة لها به. عش رحلتك كما هي، بخطواتك أنت، وفي زمنك أنت. لا تسرق من نفسك فرحة الطريق بحثًا عن نهاية تشبه نهاية الآخرين.
وتذكر دائمًا: ألا تُقارن بدايتك بموسم حصاد الآخرين.

اكتب تعليق

أحدث أقدم