الحسد يمنع قبول الحق والإذعان له إذا جاء من المحسود، بل يحاول الحاسد أن يتمحل حججاً واهية ليبطل بها ذلك الحق الناصع، لا لأنه حق، وإنما لكونه جاء ممن يحسده، ولو جاء من غيره لقبله، وهذه آفة خطيرة خاصة بين العلماء وطلبة العلم.
لقد كان اليهود يعلمون أن محمداً عليه الصلاة والسلام نبي الله حقاً، لكن حينما جاء من غيرهم -أي: من العرب- كفروا به بغياً وحسداً. قال تعالى: ﴿ أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكاً عَظِيماً ﴾ [النساء54].
الحسد مرض، ولكل مرض علاج، فمن علاجه: أن يقوي الحاسد إيمانه بالله تعالى وقضائه وقدره، ويرضى بما قسم الله له، ويكثر من الطاعات والقربات. ويلجأ إلى الله تعالى بالدعاء والتضرع بين يديه؛ ليزيل عنه هذا الداء.
وعليه أيضاً: أن يفكر في نتائج الحسد وعواقبه الوخيمة؛ فالإنسان العاقل لا يقدم على ما يجلب له التعب والضرر.
وعلى الحاسد أن ينظر بعين التأمل إلى ما أعطاه الله تعالى من النعم؛ فإنه لو نظر جيداً سيجد أن لديه نعماً كثيرة قد لا توجد عند غيره. فقد يحسد فقير غنياً ولا يدري ذلك الفقير أنه أحسن منه صحة وأتم عافية وهدوء بال. وقد يحسد إنسان ليست له وظيفة مرموقة أو مسؤولية عالية من نالها في المجتمع، ولا يعرف ذلك الحاسد أنه في أمن واطمئنان وسرور وانشراح صدر أفضل من ذلك المسؤول أو الموظف الكبير.
من أراد سلامة الدين، وصحة البدن، والنجاح في الحياة فلا يسلك مسلك الحسد، وليرحم نفسه؛ فإن الحاسد مصاب لا يجد أحداً يرحمه. وليكن حال الإنسان كما قال الشاعر:
وإني امرؤ لا أحسد الناس نعمة
إذا نالها قبلي من الناس نائل
أأحسد فضل الله أنْ ناله امرؤ
سواي وعندي للإله فضائل
وهبني حسدت المرء بالجهل رزقه
وحال به عني من الله حائل
ولم يضرر المحسود مني نفاسة
أليس على قلبي تحوم البلابل؟
قال تعالى: ﴿ وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ ﴾ [إبراهيم7].
وقال: ﴿ قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِن شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ * وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ * وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ ﴾ [الفلق 1-5].
وعليك أن تعلق قلبك وعقلك بالله وكفايته، ولا تجعلهما رهيني الوساوس والشكوك، وأن تقبل على الله بالتقوى وأعمال الإيمان. قال تعالى: ﴿ إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ خَوَّانٍ كَفُورٍ ﴾ [الحج38].
وعليك أن تمد يد الإحسان إلى الحاسد وغيره، قال تعالى: ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ [فصلت34].
وعليك أن تخفي بعض النعم التي يخاف عليها الحسد. قال تعالى عن يعقوب عليه السلام: ﴿ يَا بَنِيَّ لاَ تَدْخُلُواْ مِن بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُواْ مِنْ أَبْوَابٍ مُّتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنكُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ ﴾ [يوسف67].
وعليك أيضاً أن تصبر على حسد الحاسد؛ فإن حسده سيناله ضرره قبل أن يصلك.
قال الشاعر:
اصبر على حسد الحسود
د فإن صبرك قاتله
كالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله
نسأل الله تعالى أن يقينا شر الأشرار، وكيد الفجار، وشر طوارق الليل والنهار.

إرسال تعليق