مع بداية كل عام جديد، يتكرر المشهد نفسه على شاشات الفضائيات العربية:
مُقدّم برنامج يبتسم، موسيقى غامضة، وعراف أو منجّم يجلس واثقًا، يفتح “دفتر الغيب”، ويبدأ في سرد توقعات تصيب المشاهد بالقلق أكثر مما تمنحه أملًا.
حروب، اغتيالات، أوبئة، انهيارات اقتصادية، و"أحداث صادمة تهز العالم".
والسؤال الذي يجب أن يُطرح بوضوح:
هل ما يقدمه هؤلاء علم؟ أم مجرد تجارة خوف منظمة؟
وقائع حدثت فعلًا.. لكن هل هي دليل صدق؟
أنصار العرافين دائمًا ما يستشهدون ببعض التصريحات التي “تشابهت” مع أحداث لاحقة، مثل:
توقعات عن انتشار وباء عالمي قبل جائحة كورونا.
الحديث عن توترات سياسية أو حروب في الشرق الأوسط.
الإشارة إلى اغتيالات أو سقوط شخصيات عامة دون تحديد أسماء.
لكن عند التمحيص، نجد أن هذه “التوقعات” كانت:
عامة جدًا (وباء – حرب – أزمة اقتصادية).
غير محددة بزمن أو مكان أو أسماء.
تنطبق على أي عام تقريبًا.
فالعالم، وفق الإحصاءات، يشهد سنويًا:
عشرات الحروب والنزاعات.
أزمات اقتصادية متكررة.
أوبئة وأمراض موسمية.
وفيات شخصيات عامة بشكل دائم.
إذن، عندما يقول عراف: "العالم سيشهد أحداثًا صحية خطيرة"، فهذا ليس نبوءة، بل وصف دائم لحالة العالم.
ماذا عن التوقعات التي لم تتحقق؟
الغريب أن القنوات لا تعود أبدًا إلى:
التوقعات التي لم تحدث.
التصريحات التي ثبت خطؤها بالكامل.
الأعوام التي مرت دون أي من “الزلازل المتوقعة”.
على سبيل المثال:
توقعات بانهيار دول لم يحدث.
توقعات بوفاة شخصيات ما زالت على قيد الحياة.
توقعات بكوارث اقتصادية شاملة لم تقع.
لكن يتم تجاهلها تمامًا، والتركيز فقط على جملة واحدة “تشبه” حدثًا ما، وكأن الخطأ لا يُحسب.
العلم يقول كلمته بوضوح
من منظور علمي:
لا يوجد أي دليل علمي يثبت قدرة إنسان على معرفة المستقبل.
لا الفيزياء، ولا علم النفس، ولا الإحصاء، ولا الفلك الحقيقي يدعم هذا الادعاء.
ما يُستخدم هو ما يُعرف بـ:التنبؤات الاحتمالية العامة القراءة الباردة (Cold Reading)
التحليل النفسي للمشاهد
العراف لا يخاطب العقل، بل يخاطب الخوف.
الإعلام قد شريك في الجريمة المعنوية
الأخطر من العراف نفسه هو:
القناة التي تمنحه منبرًا.
المذيع الذي يقدّمه كمصدر موثوق.
التوقيت المتعمّد (بداية سنة – نهاية سنة – أزمات).
فهنا لا نتحدث عن ترفيه بريء، بل عن:
نشر القلق.
ضرب الاستقرار النفسي.
التلاعب بمشاعر البسطاء.
كل ذلك من أجل: نِسَب مشاهدة أعلى، وإعلانات أكثر، وأرباح أسرع.
البُعد الديني والأخلاقي
بعيدًا عن العلم، فإن كل الأديان السماوية تؤكد:
"وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو"
فالترويج لقدرة بشر على معرفة الغيب:
خداع أخلاقي.
استغلال ديني.
تضليل فكري.
الخلاصة: الغيب ليس برنامجًا موسميًا
العرافون لن يتوقفوا، لأن:
الخوف يُباع.
والقلق يُشاهد.
والفضول البشري لا ينتهي.
لكن المسؤولية تقع على:
الإعلام.
المشاهد.
المثقف.
وكل من يملك صوتًا أو قلمًا.
الغيب ليس فقرة تلفزيونية،
ولا المستقبل لعبة توقعات،
ولا القلق مادة ترفيه.
والسؤال الحقيقي هل صدق العراف؟ الإجابة بالفعل ستكون لأ
بل: لماذا نُصدّق؟
في النهاية حابب ان يكون لدي الجميع الوعي الكافي فيما يرونه أمامهم عبر المواقع و السوشيال ميديا وبعض البرامج التليفزيونيه

إرسال تعليق