رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الرائد لايكذب أهله

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يؤكد أن الرائد لايكذب أهله



بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
جاء في المعجم الوسيط: "الرائدُ من يتقدّم القومَ يبصر لهم الكلأ ومساقط الغيث"؛ فالرائد لغةً: هو الذي يتقدّم الجماعةَ ليتبصّر في أمورها، ويستعلم لها الوقائع التي تتعلّق بمصالحها.
واعتمادًا على ما يعود به من أخبار ومعلومات، تبني هذه الجماعةُ مواقفَها العامّة، فإمّا أن تتقدّم لإنجاز أمر ما يتعلّق بشؤونها العامّة وبقضاياها المصيرية، وإمّا أن تتراجع عن هذه المواقف وتحجم عنها لما يكتنفها من أخطار تهدّد كِيانَها الجماعي أو مصالحها العامّة.
يوم قال العرب في العصر الجاهلي مثلهم المأثور: "الرائد لا يكذب أهله"، كانت أبرز قضاياهم العامة هي: تتبّع مواقع الماء والكلأ في صحراء موحشة تندر فيها المياه وتتقلّص فيها المراعي، أما اليوم فما أكثرَ قضايانا، وما أعقدَ شؤونَنا العامّة، وكم من التساؤلات والهواجس التي تحيط بواقعنا ومستقبلنا! وما أحوجَ المجتمعَ اليوم إلى رائد يرشد أهله ويضيء في عتمة إرباكاتهم العصريّة فسحة منيرة تهديهم سبل الرشاد.
فمن رائد المجتمع في العصر الحديث؟ وهل يقوم هذا الرائد بمسؤوليّته ويصدق أهله وجماعته؟
من الإنصاف أن نقول: إنّ المواقع الرياديّة العامّة لم تعد اليوم محصورةً بجهة واحدة، وليست منوطة بمسؤول واحد، كما كانت الحال في المجتمع القبليّ أو العشائريّ. فالمسؤول السياسيّ له موقع رياديّ، وعليه أن يصدق أهله، والمسؤول القضائيّ موقعه رياديّ وأمانته ثقيلة، والمصلح الاجتماعيّ كذلك شأنه... ولكنّ هناك موقعًا رياديًّان، انتشرت ظلاله اليوم في كلّ ركن وزاوية من حياتنا، وتعاظم سلطانه على الحياة الاجتماعية، وامتدّت يده الخفيّة لتصنع مفاهيمنا وقيمنا، وترسم لنا أفكارنا وخيالاتنا. أضواؤه تجعل الخامل مشهورًا، والخفيّ معلنًا، والمستور مكشوفًا مُشاعًا.
إنّه الإعلام بما يمتلك من تأثيرات كبيرة في حياة المجتمعات العقديّة والسياسيّة والأخلاقيّة والتربويّة... إنّه الموقع الرياديّ الأوّل في التأثير وصناعة الرأي العام وتوجيه الذوق الجماعي والرؤية الجماعية للحياة والمستقبل. إنه الإعلام، أو السلطة الرابعة كما يحلو للبعض أن يطلق عليه.
هذا الإعلام لم يعد محصورًا في صحيفة أو مجلّة أو شاشة أرضيّة أو فضائيّة، بل تخطّى ذلك إلى إعلام خاص يستطيع الفردُ صناعتَه والوصولَ عن طريقه إلى أكبر عدد من المتلقّين، إنه إعلام المدوّنات على شبكة الإنترنت إعلام الـ"Facebook" وإعلام الـ"youtube" الذي يستطيع من يمتلك القليل من المعرفة في استعمالات الكومبيوتر أن يخوض ميدانه، وينشئ موقعًا يطلّ من خلاله على عدد غير محدود من المشاركين، ومن ثم صناعة لون من الإعلام المكتوب أو المرئي المفتوح يتجاوز الحدود المكانيّة أو الزمانيّة.
لقد تفوّق هذا النوع من الإعلام على الوسائل التقليديّة، وتبوّأ موقعًا رياديًّا في حياتنا شئنا ذلك أم أبيناه؛ ففي خبر نشرته الصحف اللبنانية - وما أكثر هذه الأخبار - أنّ عائلة إحدى الطالبات المنتسبة إلى جامعة من كبريات الجامعات اللبنانية رفعت دعوى على اثنين من زملاء الطالبة؛ لأنهما نشرا على موقع الـ"Facebook" أخبارًا كاذبة تسيء إليها، وتنال من كرامتها. هذا الخبر وأمثاله يحتاج منّا إلى نظرة تحليلية شجاعة تعترف لإعلام الإنترنت بموقعه "الرياديّ"، وبالقدرات الواسعة التي يتمتّع بها في صناعة رأي عام؛ وخصوصًا بين الأجيال الشابّة المولعة بالإعلام الإلكتروني، وعلينا أن نعترف لهذا الإعلام بإمكانياته الخارقة في التلاعب بالخبر والصورة واستعمال هذه القدرات في الإصلاح أو في الفساد، في البناء أو في الهدم، في الريادة الصادقة أو في الريادة الكاذبة.
إنّ أيّ إحصاء يسير يجريه أستاذ في صفّه يعطيه فكرة مختصرة عن عدد الطلاب الذين يمضون ساعات وساعات أمام شاشة الكومبيوتر يقلّبون صفحات المواقع، ويشاركون حواراتها على اختلاف مشاربها. ولا يمكن أن تقف الحالة التربوية مكتوفة الأيدي أمام هذه التحوّلات السريعة؛ لأن هذا يحدّ من دورها المطلوب في تصويب المسار الاجتماعي وصيانة حدوده، ومن هنا بات التربويّ مطالبًا بأن يكون مؤهّلا معرفيًّا وتقنيًّا لمتابعة المستجدّات في عالم الإعلام الإلكتروني. بل عليه أن يستثمر قدراته التربويّة - الإصلاحية - والعلميّة ومنظومة القيم السامية التي يحملها ويدافع عنها ليشارك في صناعة هذا الإعلام، ليكوّن إعلامًا صالحًا ورياديًّا ينطبق عليه القول المأثور "الرائد لا يكذب أهله".

اكتب تعليق

أحدث أقدم