رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أثر الإسلام فى العرب فى عهد رسول الإسلام

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن أثر الإسلام فى العرب فى عهد رسول الإسلام



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
لقد كان للإسلام تأثير عميق في قلوب المؤمنين الأولين. هذا التأثير كشفت عنه تلك المحن التي صابروا رسول الله عليها نحواً من عشرين سنة طيبة نفوسهم بالفداء في سبيل الله وفي سبيله. ولم يكن ذلك الإيمان عن وعد أو وعيد فيتقيد بهما، بل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يلقى بدعوته – في أول الأمر - غير الصفوة الممتازة من رجالات قريش عقلاً وخلقاً وسدد رأي، فلم يكن يؤمن الواحد منهم إلا مقتنعاً بصدق دعوته، موطناً النفس على التضحية في كل شيء في سبيل عقيدته. فقام الإسلام حين قام على أثبت الأسس وأرسخ الدعائم وظل يصعد في أناة وإحكام حتى خرج آخر الأمر كأفضل ما يخرج البناء من يد أحذق المعمارين، لا ترى فيه عوجاً ولا أمتاً.
ولقد كان لحسن الاختيار هذا لأشخاص أول المؤمنين الأثر الأكبر في سرعة انتشار الإسلام بين العرب بعامل القدوة، ونمو الإيمان ورسوخ الإسلام في صدور الداخلين فيه. فلم يكن مضي الأيام ليزيد تلك العقيدة إلا قوة، وقلوب المؤمنين إلا صفاء. ولم يكد يمضي على إعلان الدعوة سنوات حتى بدأت ثمرات الإيمان تعلن عن نفسها؛ وتتكشف من خلال الحوادث عن تلك الخلال الفريدة والمزايا العالية التي كان يتطلبها الإسلام فيمن يحمل رسالته ويرفع رايته، ويحمي في مدى العصور حوزته. فكان استظهار ما ينـزل من القرآن الكريم والعناية بكتابته بوسائل ذلك العهد، الشغل الشاغل للنبي عليه السلام وصحبه وكانت ثقتهم بوعد الله من إحدى الحسنيين: شرف النصر أو شرف الاستشهاد أثناء ذلك الكفاح العصيب، تجعل الموت أحب إليهم من الحياة. ولقد ربط الإسلام بين قلوبهم بحبل متين من الأخوة والإخلاص والإيثار كما قال الله تعالى: ﴿ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ﴾ [الفتح: 29] وإليك أمثلة من هذه النفسية التي هذبها الإسلام وتشربت بروحه على جدة وحداثة عهد هي في الوقت نفسه شواهد من التفاني في سبيل الله والاعتزاز بدين الحق ومحبة رسول الله:
1- استشار رسول الله عليه السلام الأنصار ليخرج بهم إلى حرب قريش لأول مرة (وقعة بدر الكبرى) ولم تكن بيعة الأنصار إلا أن يمنعوه ما دام فيهم؛ فأجابه المقداد بن عمرو بقوله:(امض يا رسول الله لما أمرك الله، فنحن معك! والله لا نقول لك كما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿ فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ﴾! ولكن نقول: اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون فوالذي بعثك بالحق، لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه). وقد أمد الله المسلمين في هذه الواقعة فهزم المسلمون - وعددهم 314 - ثلاثة أمثالهم من المشركين.
2- وقد مر رسول الله عند انصرافه من وقعة أحد بامرأة من بني دينار، من الأنصار، أصيب زوجها وأخوها وأبوها. فلما نعوا لها، قالت: فما فعل رسول الله؟ قالوا: خيراً يا أم فلان، وهو بحمد الله كما تحبين. قالت: أرونيه حتى أنظر إليه. فأشير إليه، حتى إذا رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل. وفي هذه الواقعة - وقعة أحد - التي أصيب فيها شخص رسول الله بأشد ما يصاب به محارب من الأذى، حتى وقف دونه خمسة من الأنصار يدفعون عنه، وقد انحنى أحدهم وهو أبو دجانة فوقه والنبل يقع في ظهره ولا يتحول، ووقفت نسيبة بنت كعب تذب عنه بالسيف وترمي عن القوس حتى جرحت جرحاً شديداً؛ وقد كانت تسقي الماء أول النهار فلما رأت هزيمة المسلمين انحازت إلى رسول الله تدفع عنه كأصدق ما يكون دفاع الأبطال.
3- استشار رسول الله عليه السلام في إعطاء ثلث ثمار المدينة لقائدي غطفان لينصرفا بجيوشهما عن حصار المدينة، في واقعة الخندق، وقد اجتمعت عليهم الأحزاب، فأجابه سعد بن معاذ بقوله: (يا رسول الله! قد كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك وعبادة الأوثان، لا نعبد الله ولا نعرفه، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعاً، أفحين أكرمنا الله بالإسلام وهدانا له وأعزنا بك وبه، نعطيهم أموالنا؟ والله ما لنا بهذا من حاجة، والله ما نعطيهم إلا السيف، حتى يحكم الله بيننا وبينهم) وصبروا في وجه الحصار، وقد جاءهم العدو من فوقهم ومن أسفل منهم، حتى أوقع الله الخلاف في عدوهم وسلط الريح عليهم فانصرفوا ولم يمسس المسلمين بفضل الله سوء.
هذه صور لمظاهر الصدق والإخلاص في العقيدة والإيمان ومحبة رسول الله، نوردها كمثال لنفسية المسلمين في أيام الشدة والعسر والقلة. وقد نمت فيهم هذه الروح بما حقق الله لهم ولرسوله من نصر وبما أعز به دينه بعد دخول أكابر قريش المتخلفين من قبل الفتح، أمثال أبي سفيان، في الإسلام ومتابعة الناس لهم من قريش وسائر العرب في ذلك.
فلما كانت حجة الوداع، ونـزول خاتمة الكتاب، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أوشك أن يفرغ من أداء رسالته الكبرى، وقد أودع أمانته: كتاب الله الجامع لشرعة الإسلام، رجالاً من هذا الطراز الممتاز، نشأوا تحت كنفه وتطبعوا بطابع الإسلام وخلقه، لم يكن شيء أحب لديهم من المضي في سبيل تلك الدعوة التي شرع رسول الله يوجهها إلى ملوك الأمم قبيل وفاته، (رجالاً صبراً في الحرب، صدقاً عند اللقاء، لو استعرض بهم البحر لخاضوه، ما يتخلف منهم أحد)، أمرهم شورى بينهم، يسعى بذمتهم أدناهم، تجردت صدورهم من كل هوى وغرض، وقد ألف بينها الإيمان وساوى بينها الإسلام، فلا فضل لأحدهم على أحدهم إلا بالتقوى.
وقد كانت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم درساً وتمحيصاً لهم، فلما لقي ربه، كان فيهم خير خلف يقيم العرب على ذلك النهج ويحملهم على تطبيق ذلك الدرس، وتلقينه لغيرهم من الأمم. وقد شاء الله أن يكون نمو هذا الدين وانتشاره على أيدي رجال لا تميزهم (النبوة) عن غيرهم ليكون عملهم في ذلك، وتكون دولة الإسلام القائمة على سواعدهم قدوة لغيره. (فلم يرد في كتاب الله أمر صريح بشكل انتخاب خليفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلا تلك الأوامر (العامة) التي تتناول الخلافة وغيرها. كأن الشريعة أرادت أن تكل هذا الأمر للمسلمين حتى يحلوه بأنفسهم ولو لم يكن الأمر كذلك لمهدت قواعده، وأوضحت سبله كما أوضحت سبل الصلاة والصيام وغيرهما).
فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وآله كان العرب المسلمون في قلة: عدداً وعدة، ولكنهم كانوا من الاعتزاز بدين الله والثقة بنصره والتفاني في سبيل الذود عنه حيث كانوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بدر وأحد والخندق.
بهذه العقيدة الراسخة والنيات الصالحة والتعاون على البر والتقوى والحرص على كتاب الله، تقدم خلفاء رسول الله ليتمموا رسالته، وينشروا دعوته، ويضعوا حجر الأساس لبناء ملك العرب ودولة المسلمين.

اكتب تعليق

أحدث أقدم