رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن مكة المكرمة

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن مكة المكرمة



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن مكة الكرمة قلب المعمورة، على الحسن مقصورة، وفي حجال المجد مستورة، أذن بها الخليل، وسُحق بها أصحاب الفيل، بالطير الأبابيل، اختارها علام الغيوب، فهي مهوى القلوب، وملتقى الدروب، وقبلة الشعوب، هي أرض ميلاد الرسالة والرسول، كان لجبريل بها صعود ونزول، منها ارتفع الإعلان والأذان والقرآن والبيان، أذّن منها بلال بن رباح، وسُلت فيها السيوف، وامتشقت الرماح، وأُعلن فيها التوحيد، وهو حق الله على العبيد، وهي أول أرض استقبلت الإسلام، وحطمت الأصنام.
بها بيت الملك الأجل، والكعبة التي طاف بها الرسل، سوادها من سواد المقل، وهي أرض السلام، وقبلة الأنام، يفد إليها المحبون، على رواحلهم يخبون. ويتجه إليها المصلون، ويقصدها المهلّون، فهي قبلة القلوب، وأمنية الشعوب، وراحة الأرواح ومنطلق الإصلاح، على ثراها نزلت الهداية، ومن رباها كانت البداية، على رمالها مزقت الطغاة، وعلى ترابها سحقت البغاة، ومن جبالها هبت نسائم الحرية، ومن وهادها كان فجر الإنسانية.
* وأمطر كل رابية ومغنى ، على بساط مكة ولد العرفان، وأكرم الضيفان، ومن مغانيها رضع الشجعان، وفي بطحائها هاشم وابن جدعان..
* في مكة تثور شجون الحب، وتضج بلابل القلب، فيها التأريخ يتكلم، والدهر يتبسم، والذكريات تتداعى، والأمنيات تقبل تباعا، هنا غمغمات السيول، وصهيل الخيول، وتنحنح السادات، وتزاحم القادات، إقبال وفود، وانطلاق جنود، وتزاحم حشود، وارتفاع بنود، وهنا كرم وبسالة، وحي ورسالة، عالم يمور بالعبر، وديوان يزخر بالسير، دفتر للعظماء، وسجل للشرفاء:
* صروف الليالي والجدود العواثر في مكة رؤوس بالأنفة متزاحمة، وجيوش للثأر متلاطمة، أفكار وحضارات، ونواد ومحاضرات، سير وسمر، في ضوء القمر، أنباء وأخبار، قصص وأشعار، حتى كان النبأ العظيم، وهو الرسول الكريم، فيصغر بعده كل خبر، وينسى من جاء ومن غبر، فهو أعظم أثر، جاءت به السير.
* لنور وجهك من حسن ومن كرم يوم بعث استدار له الزمان، وأنصت له الثقلان، وتشاغلت به الأقلام، ورحبت به الأيام، وأنصت له الأنام، فهو ابن مكة البار، وبطلها المغوار، ورسولها المختار. إذا أقبلت على البلد الحرام، فتذكر ذاك الإمام، عليه الصلاة والسلام. مكة تذكرك البأساء والنعماء، والنور والظلماء، والسعادة والشقاء. مكة كتاب مفتوح، وسِفر مشروح، يجمع بين أحاديث النجاة والخسران، والكفر والإيمان، والعدل والطغيان، تذكرك مكة الشرك الكالح، والجهل الفاضح، والوهج اللافح، يوم كانت الأوثان تُقدّس، والأصنام تؤسس، تسجد لها النفوس الخاوية، والعقول الجافية، يوم غاب الرشد، وأفل السعد، وغرب الميثاق والعهد، يوم كان الإنسان كالبهيمة، بلا قيمة، والقلب في شباك الجريمة، وفي ظلمات وخيمة:
* بأهوائها لا تستفيق ولا تعي وتذكرك مكة يوم انفجر الفجر، وارتفع الذكر، ومحق الكفر، يوم أنصتت الدنيا بأُذن سميعة، وأقبل الدهر بخطى سريعة، وانتفض الكون للكلمة الخالدة، واهتز العالم بالدعوة الراشدة، لا إله إلا الله، لا معبود بحق سوى الله، لا بقاء إلا لله، وتذكرك مكة بالوحي وهو يتنزّل، والقرآن وهو يرتّل، وجبريل الروح، يغدو ويروح، وباب الرحمة المفتوح، والعطاء الرباني الممنوح، فيا لها من ذكريات يهتز لها الجسم ذرة ذرة، ويقوم لها الرأس شعرة شعرة، ويا لها من صيحة دوّت في العالم فاستيقظ بها كل نائم، واهتدى بها كل هائم، ويا له من خبر طرق الكون فصحا، ومحق الشرك ومحا. توقف الزمان منصتا، وسُلّ سيف الجهاد مصلتا.
* التعبير يخون، والنفس فيها شجون، والذاكرة بالصور موّارة، ونور الحديث قد نصب في القلب منارة، إذا ذكرت مكة ذكر غار حراء، والشريعة الغراء، والوحي والإسراء، فكأن التأريخ حضر، وكأن الزمان اختصر، وكأن الدنيا كلها في مكة محصورة، وكأن الأيام في أجفان مكة مقصورة.
مكة ملاعب الصبا والشباب، لصاحب السنة والكتاب، فيها مسقط رأسه، وفضاء أنفاسه، فيها مراتعه، ومرابعه، ومهاجعه.
* هذا رياض الهدى والسادة الأُوَل كيف نعبر عن أشواقنا، وقد سافر حبه في أعماقنا، لأنه صلى الله عليه وسلم أملنا المنشود، ومجدنا المحمود:
* وعلى جبين مكة قبلات المحبين، وفي جوفها زجل المسبحين، وفي عينيها آية للسائلين، مكة أم الخلفاء الراشدين، مكة بلد العابدين، وميدان المجاهدين، وعرين الفاتحين، وجامع الموحدين، ومدرسة الحكام العادلين:
* إذا قربت من مكة فتهيّأ للدخول، واستعد للنزول، والبس الإحرام، عند عناق البيت الحرام، لأنك سوف تلج بيت الديّان، ومحط العرفان، ودار الرضوان، هنا المسلك الأرشد، والمحل الأسعد، والحجر الأسود، هنا المقام الكريم، والمطاف العظيم، وزمزم والحطيم، هنا العابدون والساجدون، والعاكفون، والقائمون، والمستغفرون. هنا تسكب العبرات، وتهمل الدمعات، وتنبعث الآهات، وتصعد الزفرات. هنا تغسل النفس من الأدران، ويتخلّص القلب من الأحزان، وتنطلق الروح من العصيان، هنا ترمى الجمرات، وتحط الغدرات، وتخلع الفجرات، وتغسل السيئات، هنا يتجرد من الثياب، ويتهيأ للحساب، فحبذا هذه الرحاب، وطوبى لهذه الشعاب، هنا تناخ المطايا، وتحط الخطايا، وتكثر العطايا، هنا السرور قد تم، والشمل قد التم، وذهب الهم والغم

اكتب تعليق

أحدث أقدم