رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن حقوق القرآن العظيم

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن حقوق القرآن العظيم



بقلم \ المفكرالعربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن العلم الذي حُمِد في الكتاب والسنة أمرُه، وكثرت فضائله، وتعددت مناقبه، وسمت مراتبُ أهله، وأشهر سيَرهم، وأبرزَ مآثرَهم هو العلم النافع الذي يَعرف به العبدُ ربَّه فتورثه هذه المعرفةُ خشية الله ومحبتَه والقربَ منه والأنسَ به والشوق إليه والعملَ بشرعه والدعوةَ إلى دينه قال الحسن - رحمه الله -: العلمُ علمان: فعلم على اللسان فذاك حجة الله على ابن آدم، وعلم في القلب فذاك العلم النافع.الذي تعلو به الدرجات وتوضع به السيئات إذ إن العلم إذا رَسَخَ في القلب صدَّقته الجوارح بالأعمال، قال الخطيب البغدادي - رحمه الله - في بيان منـزلة العمل بالعلم: "إني موصيك يا طالب العلم بإخلاص النية في طلبه وإجهاد النفس على العمل بموجَبه فإن العلم شجرةٌ والعملَ ثمرةٌ، وليس يُعدُّ عالماً من لم يكن عاملاً... فإذا كان العمل قاصراً عن العلم كان العلمُ كلاًّ على العالم ونعوذ بالله من علم عاد كَلاًّ وأورث ذلاً وصار في رقبة صاحبه غُلاًّ... فلولا العملُ لم يُطلبْ علمٌ ولأَن أدع الحق جهلاً به أحب إليّ من أن أدعه زهداً فيه. عباد الله اعلموا أن نصوص الكتاب والسنة وآثار سَلف الأمة قد تواردت وتواطأت على ذم ترك العمل بالعلم قلَّ العلمُ أو كثر فمن ذلك ما ذكره الله تعالى عن اليهود عليهم لعنة الله حيث أعرضوا عن العمل بالعلم قال الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فحظ من لم يعمل بعلمه كحظ الحمار من الكتب التي أثقلت ظهره قال ابن القيم - رحمه الله - عن هذه الآية: " فهذا المثل قد ضُرب لليهود فهو متناول من حيث المعنى لمن حُمِّل القرآن فترك العمل به ولم يؤد حقه ولم يرعه حق رعايته ومما ورد في ذم ترك العمل بالعلم قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ) (2) والمعنى أن الله -سبحانه وتعالى- يبغض بغضاً شديداً أن تخالف الأعمالُ الأقوالَ.
وقد توعد الله سبحانه من ترك العمل بالعلم بعقوبة شديدة ففي الصحيحين من حديث أسامة بن زيد -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((يجاء بالرجل يوم القيامة فيلقى في النار فتندلق أقتابه يعنى أمعاءَه فيدور بها كما يدور الحمارُ برحاه فيجتمع عليه أهل النار فيقولون: يا فلان! ما شأنك؟ ألست كنت تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: كنت آمركم بالمعروف ولا آتيه وأنهاكم عن الشر وآتيه)) فيا لهُ من موقف عظيم تعلن فيه الأسرار وتشهر فيه الأخبار فيظهر للخلق ما أضمرت ويُبدى ما أخفيت ويُكشف ما أكننت فالسر يومئذ علانية فمن طوى قلبه على البر و الإحسان فاز برضا الرحيم الكريم الرحمن ومن طواه على الفسق والعصيان والكفران فضحه العليم الخبير الديان. ومما ورد في الحث على العمل بالعلم ما أخرجه الترمذي وغيره عن أبي برزة الأسلمي - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: ((لا تزولُ قدما عبد يوم القيامة حتى يُسألَ عن عمره فيم أفناه وعن علمه ما فعل فيه وعن ماله من أين اكتسبه و فيم أنفقه وعن شبابه فيم أبلاه)) وقد أدرك الصحابة -رضي الله عنهم- هذا المعنى فهذا أبو الدرداء - رضي الله عنه - يقول فيما أخرجه البيهقي وغيره بسند جيد: "إنما أخشى من ربي يوم القيامة أن يدعوَني على رؤوس الخلائق فيقولَ لي: يا عويمر. فأقول: لبيك ربي فيقول: ما عملت فيما علمت" وقد قال - رضي الله عنه -: لن تكون بالعلم عالماً حتى تكون به عاملاً.
وقد كان الصحابة - رضي الله عنهم - يحتفون بالعمل ويعتنون به ويهتمون له حتى إنهم كانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلموا القرآن والعمل جميعاً وإليك ما أوصى به أمير المؤمنين علي بنُ أبي طالب حملة العلم فقال - رضي الله عنه -: "يا حملة العلم اعملوا به فإنما العالمُ من علم ووافق عملُه علمَه" وما منا إلا ومعه شيء من العلم قل أو كثر فلا تتوهم أخي أننا نريدُ غيرك أو نخاطب سواك فعلينا أيها المؤمنون أن ننشغل بتحقيق ما علمناه من دين الله - سبحانه - فكم هم الذين يعلمون أشياء من شرائع الدين وأحكامه وهم عن العمل بها معرضون وعنها مشتغلون غرّهم ما معهم من العلوم والمعارف فليت شعري هل علم هؤلاء أن العبرة بالعمل، إذ العلمُ بلا عمل حجةٌ على صاحبه وقد صاح ابن الجوزي - رحمه الله - واعظاً نفسَه لما رآها أقبلت على التشاغل بصورة العلم عن حقيقته وثمرته فقال مخاطباً نفسهُ: "فصحت بها: فما الذي أفادكِ العلم؟ أين الخوف؟ أين القلق؟ أين الحذر؟ أو ما سمعت بأخبار أخيار الأحبار في تعبدهم واجتهادهم؟ أَمَا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - سيدَ الكل ثم إنه قام حتى ورمت قدماه؟ أَمَا كان أبو بكر شجيَّ النشيج كثيرَ البكاء؟ أَمَا كان في خد عمر بن الخطاب خطان من آثار الدموع؟ " ومضى - رحمه الله - مع نفسه مذكراً، ولها واعظاً أَمَا كان، أَمَا كان؟ ثم قال موصياً نفسه: احذري الإخلاد إلى صورة العلم مع ترك العمل به فإنها حالة الكسالى "انتهى كلامه وليت الأمر يقف عند هذا الحد بل هي حالة والله في غاية الخسران ومنتهى الخبال فإن أشدَّ الناس حسرة رجلٌ نظر إلى علمه في ميزان غيره، سعد به الناس وشقي هو به، فالمسكين من ضاع عُمره في تحصيل علوم لم يعمل بها ففاتته لذاتُ الدنيا وزينتُها وخسر خيراتِ الآخرِة ونعيمِها فقدم على الله مفلساً من كل خير مع قوة الحجة عليه. وهذا يصدق فيه ما قاله سفيان بن عيينة: "العلمُ إن لم ينفعْك ضرَّك".
ولو لم يكن من فوائد العمل بالعلم إلا أنه يقي المرء مصارعَ السوء ودركات الشر ومقامات الخزي لكفى به حاثَّاً على الاستكثار منه والانشغال به والاهتمام به.
إذا العلمُ لم يُعمل به كان حجةً *** عليك ولم تعذر بما أنت حاملُ
فإن كنت قد أبصرت هذا فإنما *** يُصدِّقُ قـولَ المرء ما هو فاعلُ
والواقع أن العمل بالعلم من أعظم أسباب ثبوتِ العلم وحفظهِ ورسوخِه إذ العمل بالعلم يوجب تذكرَه وتدبرَه ومراعاتَه والنظرَ فيه فإذا أهمل العبد العمل بعلمه كان ذلك سبباً لنسيانه واضمحلاله فالبئر التي لا تنـزح تنضب وكان بعض من فقه هذا يثبت علمه بالعمل قال الشعبي -رحمه الله-: (كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به) وقال وكيع بن الجراح -رحمه الله-: (كنا نستعين في طلب العلم بالصوم) فالعمل بالعلم من أبرز أسباب زيادته ونمائه وثباته إذ العمل بالعلم من تقوى الله وقد قال الله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)
والعمل بالعلم والأخذ به أدعى لقبول ِالناسِ قولَ العالم فإن قولاً أولُ من يخالفه قائلهُ، شمسه آفلة، ونجمه زائل، وتأثيره غائب وإنما يعرف الناسُ صدقَ الدعوات بثبات أصحابها عليها وعملِهم بها فامتثال العلم في الواقع وترجمته في حياة الناس وإحياؤه بالعمل به أبلغُ وسائل الدعوة والتأثير، إذ النائحة الثكلى ليست كالنائحة المستأجرة والعالم العامل يأخذ بمجامع العقول و الألباب، وفي فلكه تدور قلوب العباد، إذ القول يحسنه كل أحد وإنما يتمايز الناس ويتفاضلون بالأعمال، والخلق إلى أن يوعظوا بالأعمال أحوج منهم إلى أن يوعظوا بالأقوال، فعلى أهل العلم وطلبته وأهل الصحوة والدعوة أن يتحسسوا أنفسهم وأن يداووا ما قد يكون بنفوسهم من علل تصد عن الحق، وتصرف عن الهدى، فإن الناس لا يأخذون عَمَّن اكتفوا من العلم بالانتساب، وارتضوا الخروج عنه بالأعمال، ولذا عاب الله على الذين يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم فقال: (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلا تَعْقِلُونَ) وكان سفيان الثوري يردد قول الشاعر:
فإن كنت قد أوتيت علماً فإنما *** يُصدق قولَ المرء ما كان فاعله
وقد امتدح الله الصادقين في أقوالهم وأعمالهم فقال: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ) والناظرُ في سير الأئمة الأعلام الذين سمت أقدارهم، وكان لهم لسان صدق في الأمة يلاحظ أن سمة العمل بالعلم انتظمت جميعهم، فلا تكاد ترى رجلاً ممن أحيا الله به ما اندرس من معالم الدين أو ممن كتب لهم القبول لهجت ألسُن الناسِ بذكره والثناء عليه إلا وقد ضرب في العمل بنصيب وافٍ، فالعمل بالعلم من أبرز ما يبلغ الرجالَ منازل الربانيين، فالرباني هو الذي علم وعمل وعلّم، فإن العالم العامل هو من كان بعلمه عاملاً ولعلمه معلماً، قال الحسن - رحمه الله - في وصف العالم الرباني: "هذا حبيب الله، هذا ولي الله، هذا صفوة الله، هذا أحب أهل الأرض إلى الله، أجاب الله في دعوته، ودعا الناس إلى ما أجاب الله فيه من دعوته وعمل صالحاً في إجابته، وقال إنني من المسلمين فهذا خليفة".
والعمل بالعلم سبب لتحصيل الحسنات ورفع الدرجات لذا قرن الله بين الإيمان والعمل في كثير من النصوص فمن ذلك قوله تعالى: (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ) ونظائر هذا في كتاب الله كثيرة، وفقنا الله وإياكم إلى علم نافع راسخ وإلى عمل صالح دائم.

اكتب تعليق

أحدث أقدم