رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يتحدث عن القصص التعليمية للأطفال

رئيس اتحاد الوطن العربى الدولى يتحدث عن القصص التعليمية للأطفال



بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لاشك فيه أن القصص هي عالم بحد ذاته، يُحرك بها العقول، ويثبت بها القلوب، وتستنبط منها الدروس والعبر، ويمكن استخدامها كوسيلة دعوية من خلال سرد بعض القصص النبوية، وما ورد في كتب التاريخ على الأهل وخصوصاً في حال التعب البدني والنفسي. فما أجمل أن يسمع الأولاد في المنزل قصص الأنبياء والصحابة، وقصص الأولين، وما أجمل أن تسمع البنت قصة زوجات النبي وبناته وكيفية معيشتهم في بيوتهن.
في القصة سحر يسحر النفوس منذ قديم الأزل، ولا شكَّ في أن قارئ القصة وسامعها لا يملك إلا أن يتخيّل نفسه أنه كان في هذا الموقف أو ذاك. ويقول الخبراء إن الطفل يبدأ عادة في الاستمتاع بسماع القصة حين يبلغ الثانية من عمره. وحين يبلغ الطفل الرابعة يكونون قد وصلوا إلى درجة من معرفة المحيط فيهوى الطفل قصص المغامرات. وفي سن الخامسة يكون الطفل مستعداً للتعلم، ويميل إلى القصص التي تُعطيه المعلومات، وتقدم له المعرفة. وينبغي خلال تلك المرحلة تجنيب الطفل الحكايات المفزعة والمخيفة كقصص الجنِّيات والسحرة والأشرار. وأما أطفال السادسة والسابعة فيستمتعون بالقصص الشعبية. وفي الثامنة والتاسعة يميل الأطفال إلى معرفة الماضي، ويبدؤون التوجه إلى التراجم وقصص السيرة الذاتية وسير أبطال الحروب. وأما أطفال العاشرة والحادية عشرة فيبدؤون في هذا السن باتخاذ القدوة والمثل الأعلى، فهم بحاجة إلى قصص العظماء، والمخاطرات والحروب. ولا يمكن بالطبع تحديد بداية تلك المراحل ونهايتها في حياة الطفل، فهي يمكن أن تتداخل زمنياً، كما تختلف بين الذكور والإناث [1].
لا شك أن لحكاية ما قبل النوم أهمية خاصة عند الطفل، فهي تظل راسخة في ذاكرة الطفل وتثبت في مخه أثناء النوم، وعلى الأم أن تلتزم اختيار النهايات السعيدة لقصتها، والابتعاد عن قصص العنف أو الحكايات الخرافية، فينطبع شكلها المخيف في ذاكرة الطفل ويسبب له الأرق. وقد ناشد أطباء النفس عند الأطفال، الأمهات أن يعودوا إلى إتباع عادة حكاية النوم، ترويها الأم بصوتها الحنون بدلاً من الاعتماد على ما يعرضه التلفاز وأشرطة الفيديو، فوجود الأم إلى جوار سرير ابنها قبل نومه يزيد من ارتباطه بها، ويجنبه المخاوف والكوابيس أثناء النوم [2].
ويروي التاريخ الإسلامي قصصاً موحية عن صدقات وحسنات قدّمتها الأجيال الإسلامية الأولى.
ولدى قراءة تلك القصص يخرج الإنسان بانطباع هو أن المسلمين الأوائل قد تصرفوا كما لو أنهم قد رأوا بأم أعينهم الجزاء الذي لا يُوصف الذي ينتظر المحسنين في الجنة. ومن المهم أن نضيف أن الحث على الصدقة لم يكن لإعطائها فقط للمستحقين من المسلمين، بل إن التعاطف قد شمل الجيران والمحتاجين من معتنقي الديانات الأخرى، ويروي عبد الله بن عمر الصحابي الجليل أنه كان يقول لخادمه دوماً حين يذبح شاة تذكر جارنا اليهودي. وتعرض هذه القصص العلاقة بين مسؤولية الفرد الاجتماعية وتضامن المجتمع الإسلامي ككل، فيجب على الفرد أن ينسق حاجاته بحيث تتواءم مع المسؤوليات الاجتماعية وكذلك طموحاته المادية بحيث لا تطغى على التزاماته الروحية [3].
كل قصة تستجيب لمطالب الطفل، واحتياجاته، وتتجاوب مع تجربته الخاصة هي قصة تستحق منه الاهتمام، وتشدُّ إليها انتباهه، وإن كانت ملائمة القصة له تعتمد على عمره، ومستوى النضج الذي بلغه، وعلى مستوى عائلته الثقافي والاجتماعي. كما أن من الحكمة أن نبعد عن أسماع الطفل القصص التي يسيطر عليها عنصر الشّر، أو الإساءة إلى علاقته مع أهله وذويه، وبخاصة والديه، لأنه يكون في هذه السن في مرحلة يبني فيها مُثُلَهُ وقيمه، والتي يكون فيها لذويه وأهله الأثر الأكبر في ذلك. والقصة بالنسبة للطفل هي كالأكل الممتع المغذّي، تبعث فيه الدفء والحنان، وتهبه السرور والمتعة، وقد تُساعد على تمثل التجربة، والاهتداء إلى حلّ لمشاكله اليومية، ضمن حدود فهمه وضمن قدراته العقلية والعاطفية، كما أنها تشركه ولو على مستوى بسيط في التجارب، والعواطف الإنسانية. والقصة الجيدة إذا قُرئت أو سردت بشكل جيد، مع استيفاء شروط القراءة المعبرة أثارت في الأطفال حُب الأدب والميل إليه، وإلى تقديره [4].
إذاً يمكن للمربين من خلال القصة تعزيز القيم الإيمانية الاقتصادية فأي سلوك أبنائهم لما للقصة من إيجابي في حياة الطفل، فهي عالمه المشوق الساحر الذي يسافر به بخياله إلى عالم يصوغ من خلاله مفرداته، ويرسم أحلامه ويبني مخططاته، ويسترسل في عالم الطفولة الرائع عالم البراءة والنقاء، عالم الحب الصافي، والعيش السعيد، فلماذا نحرم أبنائنا من هذا العالم الجميل؟ ونتركهم أمام شاشات الحواسيب يمارسون ألعاب العنف والصراع المقيت، وينامون متعبين، ويحلمون بالكوابيس، والقتل والعنف والقسوة. ومما لا شكّ فيه أنّ القصة المحكمة الدقيقة تطرق السامع بشغف، وتنفذ إلى النفس البشرية بسهولة ويسر، ولذا كان الأسلوب القصصي أجدى نفعاً وأكثر فائدة. والمعهود أن يميلَ الطفل إلى سماع الحكاية، لذا ينبغي على المربّين أن يفيدوا مِنها في مجالات التعليم.
________________________________________
[1] الحاج يحيى، يحيى، القصة وأثرها على الطفل المسلم، جدة، دار المجتمع، د.ت،17.
[2] شحاته، حسين، قراءات الأطفال، القاهرة، الدار المصرية اللبنانية، 1412هـ/ 1992م، 43.
[3] عبد الرؤوف، محمد، تأملات إسلامية في الرأسمالية الديمقراطية، ترجمة غالي عودة، 1409هـ/ 1988م، عمان، دار البشير، 46.
[4] يُنظر، عدس، محمد عبد الرحيم، الآباء وتربية الأبناء،161.

اكتب تعليق

أحدث أقدم