رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن القرض

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن القرض



بقلم \ المفكر العربي الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الاتحاد العالمي للعلماء والباحثين
القرض وأحكامه
تعريفه:
لغة: بفتح القاف، وحكي كسرها؛ معناه القطع.
اصطلاحًا: عرف بتعاريف كثيرة، نختار منها التعريف التالي:
"هو دفع مال لمن ينتفع به ويرد بدله".
وسمي قرضًا؛ لأن المقرض يقطع جزءًا من ماله ليعطيَه إلى المقترض، ويسميه أهل الحجاز سلفًا.
مشروعيته: القرض جائز ومشروع، دلَّ على ذلك القرآن والسنة وإجماع الأمة، قال -تعالى-: ﴿ مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ [البقرة: 245]، والقرض لله -تعالى- يتناول الصدقات كما يتناول القرض للعباد.
والأحاديث الكثيرة نختار منها:
ما روى ابن مسعود أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((ما من مسلم يُقرِض مسلمًا قرضًا مرَّتين إلا كان كصدقتها مرة))؛ ابن ماجه.
وعن أنس قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: ((رأيتُ ليلة أسري بي على باب الجنة الصدقة بعشر أمثالها، والقرض بثمانية عشر، فقلت: يا جبريل، ما بال القرض أفضل من الصدقة؟ قال: لأن السائل يسأل وعنده، والمستقرض لا يستقرض إلا من حاجة))؛ ابن ماجه.
وأجمع المسلمون على جواز القرض، وما زالت الأمة تتعامل به منذ عهد النبي -صلى الله عليه وسلم- إلى عصرنا من غير نكيرٍ.
حكمه: هو مندوب إليه في حق المقرض، مباح للمقترض للنصوص السابقة، ولحديث: ((مَن نفَّس عن مؤمن كربةً من كرب الدنيا، نفَّس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومَن يسَّر على مُعسِر، يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه))؛ مسلم.
حكمة تشريعه: حكمته واضحة، وهي تحقيق ما أراده الله -تعالى- من التعاون على البر والتقوى بين المسلمين، وتمتين روابط الأخوة بينهم، والمسارعة إلى تفريج كربهم، والقضاء على استغلال عَوَز المُعْوِزين وحاجة المحتاجين، كما يفعله بعض المرابين الذين لا يتعاطون القرض الحسن.
أركان القرض: للقرض ثلاثة أركان؛ هي:
1- الصيغة: وهي الإيجاب والقبول؛ كأقرضتُك واقترضت، ويصحُّ بلفظ الماضي والأمر: أقرضني وأسلفني، واقترض مني واستلف، ولا بد من الصيغة؛ لأنها عنوان التراضي.
2- العاقدان: وهما المقرض والمقترض، ويشترط فيهما:
العقل والبلوغ والاختيار وأهلية التبرع؛ لأن القرض عقد تبرع، فيجب أن يكون المقرض أهلاً له، فلا يصحُّ الإقراض أو الاستقراض من صبي ولا مجنون ولا مكرَه ولا محجور عليه لسفهٍ، ولا يصح من الولي من مال من تحت ولايته، وهكذا.
3- المعقود عليه، وهو المال المقرض:
وقد اختلف العلماء فيما يصح فيه القرض:
فقال الحنفية: يصح القرض في المثلي، ولا يجوز القرض في غير المثلي[1] من القيميات؛ كالحيوان، والحطب، والعقار، والعددي المتفاوت لتعذر ردِّ المثل.
وقال الجمهور[2]: يجوز قرض كل مال يصح فيه السلم، سواء أكان مكيلاً أو موزونًا؛ كالذهب والطعام، أو من القيميات؛ كعروض التجارة والحيوان[3].
أما ما لا يجوز فيه السلم كالجواهر، فلا يصح قرضه؛ لأن القرض يقتضي رد المثل، وما لا ينضبط أو يندر وجوده، يتعذر أو يتعسر رد مثله.
ويشترط في القرض:
• أن يكون معلوم القدر والوصف عند القرض - كيلاً أو وزنًا أو عددًا - ليتمكن من رد بدله.
مكان الوفاء: اتفق الأئمة على أن وفاء القرض يكون في البلد الذي تم فيه الإقراض، ويصح إيفاؤه في أي مكان آخر إذا لم يحتَجْ إلى حمل ومؤنة أو وجد خوف طريق، فإن احتاج إلى ذلك لم يلزم المقرض بنقله.
اشتراط الأجل في القرض:
اختلف العلماء هل يجوز اشتراط الأجل في القرض، على قولين:
القول الأول لجمهور العلماء[4]، وقالوا: لا يجوز الأجل فيه، وللمقرض أن يطالب ببدل القرض متى شاء؛ لأنه تبرع محض، وإذا أجّل القرض إلى أجَل معلوم لم يتأجل خوفًا من الوقوع في ربا النسيئة.
وقال الإمام مالك[5]: يجوز اشتراط الأجل ويلزم الشرط؛ لقوله -تعالى-: ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ﴾ [البقرة: 282]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: ((المسلمون على شروطهم))؛ أحمد.
فإذا أجِّل القرض إلى أجَل معلوم تأجل ولم يكن للمقرض حق المطالبة قبل حلول الأجل، وإذا جاء موعد السداد وكان المقترض معسرًا، فيُستحب أن يؤجله ويُنظر إلى ميسرة.
والرأي الثاني هو الراجح للمصلحة ولموافقته لمقتضى الواقع وطبيعة القرض نفسه.
القرض يجر نفعًا:
ولقد سبق الكلام عن هذا الموضوع لما أشرنا إلى أصول الربا، فلا داعي لتكراره.
التعجيل بقضاء الدَّين:
لا يجوز للموسر أن يماطل في ردِّ ما في ذمته للآخرين؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: ((مَطل الغني ظلم))، فالواجب في حق المسلم أن يسارع بإبراء ذمته مما تعلق بها من حقوق الآخرين؛ استعدادًا للموت الذي قد يفجؤه في أي لحظة.
ولقد حذر الشارع من تأخير سداد الديون، وبيَّن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن الميت يبقى مرتهنًا بدَينه حتى يُقضى عنه، روى الإمام أحمد أن رجلاً سأل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن أخيه مات وعليه دَين، فقال: ((هو محبوس بدَينه فاقضِ عنه))، وعن جابر قال: كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يصلي على رجل مات وعليه دَين، فأُتي بميت فقال: ((أعليه دين؟))، قالوا: نعم، دينارانِ، فقال: ((صلُّوا على صاحبكم))، فقال أبو قتادة الأنصاري: هما عليَّ يا رسول الله، فصلى عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم.
فلما فتح الله على رسوله قال: ((أنا أولى بكل مؤمن من نفسه، فمن ترك دَينًا فعليَّ قضاؤه، ومن ترك مالاً فلورثته))؛ متفق عليه.
كما حذَّر الشرع من القرضِ مع عدم صدق النية في الوفاء؛ فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: ((مَن أخذ أموال الناس يريد أداءها أدَّى الله عنه، ومَن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله))؛ البخاري.
استحباب إنظار المعسر أو الحط عنه:
يقول الله -تعالى-: ﴿ وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ﴾ [البقرة: 280].
وروي عن أبي قتادة - رضي الله عنه - أنه طلب غريمًا فتوارى ثم وجده، فقال:
إني معسر، فقال: آلله؟ قال: آلله، قال: فإني سمعتُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((مَن سرَّه أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفِّس عن مُعسِر أو يضع عنه))، وفي حديث آخر: ((مَن أنظر معسرًا أو وضع عنه أظله الله في ظله)).
السُّفتجة:
تعريفها: بفتح السين والتاء، أو بضمهما، أو ضم السين وفتح التاء وهذا الأشهر، وهي كلمة فارسية معرَّبة، وهي:
رقعة يكتبها المقرض إلى مَن يقبض عنه عوض القرض في المكان الذي اشترطه، وهذه الرقعة كورقة (الشيك) الآن، وتعتبر نوعًا من (الكمبيالة) المعروفة في الوقت الحاضر.
وفي الاصطلاح قالوا: هي معاملة مالية يقرض فيها إنسان قرضًا لآخر في بلد ليوفيه المقترض أو نائبه أو مدينه إلى المقرض نفسه أو نائبه أو دائنه في بلد آخر معين[6].
حكمها: عند الحنفية، قال المرغيناني - صاحب الهداية -: ويكره السفاتج، وهي قرض استفاد به المقرض سقوط خطر الطريق، وهذا نفع استفيد به، وقد نهى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن قرض جرَّ نفعًا[7].
وقال الشافعية بمنع السفتجة؛ لأنها من قبيل القرض الذي يجر منفعة للمقرض بربحه فيها خطر الطريق[8].
وقال المالكية بمنعها؛ لأنها قرض جرَّ نفعًا إلا في حالة الضرورة حفظًا لماله[9].
والراجح عند الحنابلة هو الجواز إن كانت بلا مقابل، واختار ابن تيمية وابن القيم وابن قدامة القول بالجواز مطلقًا؛ لأن المنفعة لا تخص المقرض، بل ينتفعان بها جميعًا[10]، ونميل إلى رأي الحنابلة.
المراجع المساعدة:
1- دليل الفتاوى الشرعية في الأعمال المصرفية، إصدار مركز الاقتصاد الإسلامي (11 - 43).
2- بنوك بلا فوائد، د. عيسى عبده.
3- محاضرات في الفقه المقارن، د. محمد سعيد البوطي (40) في علة الربا.
4- فوائد البنوك هي الربا الحرام، د. يوسف القرضاوي.
5- الربا دوره في استغلال موارد الشعوب، د. عيسى عبده.
6- الربا، أبو الأعلى المودودي.
7- الربا وأثره على المجتمع الإنساني، د. الأشقر.
8- البنوك الإسلامية، شوقي أبو خليل.
9- مشكلة الاستثمار، د. صلاح الصاوي.
10- الربا والقرض في الفقه الإسلامي، د. أبو سريع عبدالهادي.
________________________________________
[1] حاشية ابن عابدين 4/179 - 195.
[2] الشرح الكبير 3/222، مغني المحتاج 2/118، المغني 4/314.
[3] لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - استلف بكرًا، وهو ليس بمكيل ولا موزون.
[4] حاشية ابن عابدين 4/177، المهذب 1/303، المغني 4/315.
[5] المعونة للقاضي عبدالوهاب 2/1000، الكافي لابن عبدالبر 359.
[6] الفقه الإسلامي وأدلته 4/728.
[7] فتح القدير شرح الهداية 5/452.
[8] المهذب 1/304.
[9] القوانين الفقهية 180، الخرشي 5/232.
[10] إعلام الموقعين 1/391، المغني 4/321.

اكتب تعليق

أحدث أقدم