الإخاء الأخلاقي والإنساني بقلم هشام عثمان

الإخاء الأخلاقي والإنساني بقلم هشام عثمان




 الإخاء الأخلاقي والإنساني

بقلم هشام عثمان
مدير عام إدارة العامرية التعليمية بالإسكندرية
شقاء المجتمعات وتعاسة الأمم قد لا يكون بسبب انحراف المجتمع ككل عن قيم الدين وتنصله عن تطبيق أحكامه في واقع الحياة بل قد يكون السبب أيضاً فساد الفرد ذاته في المجتمع أو انحراف مجموعة قليلة من أبناءه وما أهلك الله قوم ثمود إلا بسبب عدد قليل من أفراد ذلك المجتمع قال - تعالى-: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلا يُصْلِحُونَ) (النمل: 48) ولأن كل فرد من أفراد ذلك المجتمع لم يقم بواجبه بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كان العقاب للجميع قال - تعالى-: (فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ) (النمل: 51) وإن من سنن الله الماضية في خلقه أن يسلط عقوبته على المجتمعات التي تهمل فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. هذا الواجب الشرعي والأخلاقي والإنساني قال - تعالى -: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُواْ يَعْتَدُون * كَانُواْ لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) (المائدة 78-79) وإن وجود المصلحين في المجتمعات هو صمَّام الأمان لها، وسبب نجاتها من الهلاك ولهذا يقول - تعالى -: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: 117)
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فريضة ذكرها الله وقدمها، في هذه الآية على إقام الصلاة وإيتاء الزكاة، فقال - سبحانه -: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَ- يرحمهم الله - إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)[التوبة /71].. وبين - سبحانه - أن الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والمقيمين للصلاة والمؤتين للزكاة والمطيعين لله ولرسوله هم أهل الرحمة، فقال - سبحانه وتعالى -: (أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللّهُ)[التوبة/ 71]... وفي الحديث عن النبي - صلى الله عليه وسلم - المذكور آنفاً بين أهمية هذا الواجب وضرورته فقال: (( مَثَلُ الْقَائِمِ عَلَى حُدُودِ اللَّهِ وَالْوَاقِعِ فِيهَا، كَمَثَلِ قَوْمٍ اسْتَهَمُوا عَلَى سَفِينَةٍ، فَأَصَابَ بَعْضُهُمْ أَعْلاهَا وَبَعْضُهُمْ أَسْفَلَهَا، فَكَانَ الَّذِينَ فِي أَسْفَلِهَا إِذَا اسْتَقَوْا مِنَ الْمَاءِ، مَرُّوا عَلَى مَنْ فَوْقَهُمْ، فَقَالُوا: لَوْ أَنَّا خَرَقْنَا فِي نَصِيبِنَا خَرْقًا، وَلَمْ نُؤْذِ مَنْ فَوْقَنَا، فَإِنْ يَتْرُكُوهُمْ وَمَا أَرَادُوا هَلَكُوا جَمِيعاً، وَإِنْ أَخَذُوا عَلَى أَيْدِيهِمْ نَجَوْا وَنَجَوْا جَمِيعًا)) (البخاري (2493).. فالقائم على حدود الله هو المستقيم مع أوامر الله - تعالى- ولا يتجاوز ما منع الله - تعالى -، وهو مع ذلك يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.. أما (الواقع فيها) فهو التارك للمعروف المرتكب للمنكر.. الذي يرتكب المنكر ويأتيك بالمبررات.. أحياناً باسم الدين وأحياناً باسم الوطن وأحياناً بادعاء الحق وأخرى تحت مسمى مواجهة أعداء الوطن وقد تأتي المبررات باسم المظلومين والمضطهدين أو مصلحة الشعب او حقوق الآخرين أو وحدة الوطن أو غير ذلك وهي كلمة حق يراد بها باطل.. فالذي يحاول الخرق في السفينة يريد أن يهلك الجميع ليحقق رغبة أو شهوة أو هوىً متبع.. فهذا لا يترك سوى كان فرد أو حزب أو جماعة أو طائفة بل لابد أن يوقف عند حده ولابد أن يقول الجميع كلمة الحق ويأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر... عن حذيفة - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (( والذي نفسي بيده؛ لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليوشكن الله أن يبعث عليكم عقابًا منه ثم تدعونه فلا يستجاب لكم)) (رواه الترمذي وقال: "حديث حسن"، وقال الألباني: "حسن لغيره"؛ كما في صحيح الترغيب والترهيب، رقم(2313)... إن الناس معادن كل واحد منهم يحمل بين جوانحه قيم وأخلاق تعبر عن شخصيته وإن منهم مفاتح للخير ومغاليق للشر وإنه لن يسعد أي مجتمع إلا إذا كان الغالبية أفراده كذلك عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((إن من الناس مفاتيح للخير مغاليق للشر، وإن من الناس مفاتيح للشر مغاليق للخير، فطوبى لمن جعل الله مفاتيح الخير على يديه، وويل لمن جعل الله مفاتيح الشر على يديه))[ابن ماجه ح237) وحسنه الألباني بطرقه، السلسلة الصحيحة ح1322] ومن هذه الواجبات للمجتمع المسلم أن يسعى أفراده لبناء علاقة وثيقة بينهم تقوم على الحب والتراحم والتعاون والإيثار ولا خير في مجتمع لا يحب أفراده بعضهم البعض ولا بعطف بعضهم على بعض ولا يتفقد بعضهم أحوال بعض وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - بالتعاون على البر والتقوى، ونهى عن التعاون على الإثم والعدوان، روى أبو بردة عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((على كل مسلم صدقة، فقالوا: يا نبي الله، فمن لم يجد؟ قال: يعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق، قالوا: فإن لم يجد؟ قال: يعين ذا الحاجة الملهوف، قالوا: فان لم يجد؟ قال: فليعمل بالمعروف، ويمسك عن الشر، فإنها له صدقة)). [البخاري (2/121) ومسلم (2/699)] والذي يقضي حاجة أخيه في الدنيا يقضي الله حاجته يوم القيامة، عندما يكون أحوج إليها من حاجة أخيه في الدنيا... عن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (( المسلم أخو المسلم، لا يظلمه، ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة)). [البخاري (3/98) ومسلم (4/1696)] فمن كان الله في حاجته أتظنون أنه يخيب؟ وفي الحديث الآخر قال - صلى الله عليه وسلم -: ((أيما أهل عرصة بات فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله وذمة رسوله)) (رواه أحمد وأبو يعلى والبزار والحاكم. وقال المنذري في الترغيب: بعض أسانيده جيد، وكذا العراقي في تخريج "الإحياء" وصححه الشيخ شاكر في تخريج المسند برقم-4880) هذا الفاروق عمر - رضي الله عنه - وهو خليفة وجد وهو يتفقد أحوال المجتمع المسلم في المدينة بالليل امرأة في حالة المخاض تعاني من آلام الولادة فحث زوجته على قضاء حاجتها وكسب أجرها وقال لها هل لك في خير ساقه الله إلينا؟ فكانت هي تمرض المرأة في الداخل وهو في الخارج ينهمك في إنضاج الطعام بالنفخ على الحطب تحت القدر حتى يتخلل الدخان لحيته وتفيض عيناه بالدمع لا من أثر الدخان الكثيف فحسب بل شكراً لله أن هيأه وزوجته لإدخال السرور و قضاء حوائج الناس! قال - تعالى -: (يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)(الحج: 77) في سير أعلام النبلاء: " كان ابن المبارك إذا كان وقتالحج، اجتمع إليه إخوانه من أهل مرو، فيقولون: نصحبك، فيقول: هاتوا نفقاتكم، فيأخذ نفقاتهم فيجعلها في صندوق، ويقفل عليها، ثم يكتري لهم ويخرجهم من مرو إلى بغداد، فلا يزال ينفق عليهم ويطعمهم أطيب الطعام وأطيب الحلوى، ثم يخرجهم من بغداد بأحسن زي وأكمل مروءة، حتى يصلوا إلى مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيقول لكل واحد: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من المدينة من؟ فيقول: كذا وكذا، ثم يخرجهم إلى مكة، فإذا قضوا حجهم، قال لكل واحد منهم: ما أمرك عيالك أن تشتري لهم من متاع مكة؟ فيقول: كذا وكذا وكذا فيشتري لهم، ثم يخرجهم من مكة، فلا يزال ينفق عليهم إلى أن يصيروا إلى مرو، فيجصص بيوتهم وأبوابهم، فإذا كان بعد ثلاثة أيام، عمل لهم وليمة وكساهم، فإذا أكلوا وسروا، دعا بالصندوق، ففتحه ودفع إلى كل واحد منهم صرته عليها اسمه".
وهكذا يجب أن يكون عليه كل افراد المجتمع كلٌ حسب قدرت وطاقته ذلك أن من لوازم الإخاء في الإسلام: التعاون والتراحم والتناصر، إذ ما قيمة الأخوة إذا لم تعاون أخاك عند الحاجة، وتنصره عند الشدة، وترحمه عند الضعف وتنصحه عند الغفلة؟ اللهم أصلح فساد قلوبِنا وأرحم ضعفنا وحسن أخلاقنا ووفقنا إلى كل خير

اكتب تعليق

أحدث أقدم