بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربي الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
الرئيس التنفيذي لجامعة فريدريك تايلور بالولايات المتحدة الأمريكية
الرئيس التنفيذي لجامعة بيرشام الدولية بأسبانيا
الرئيس التنفيذي لجامعة سيتي بكمبوديا
الرئيس التنفيذي للمؤسسة الدولية للدراسات المتقدمة بأمريكا
ورئيس جامعة الوطن العربي الدولي ( تحت التأسيس )
الرئيس الفخري للجمعية المصرية لتدريب وتشغيل الخريجين
نبيِّ الله ورسوله قدوة الصابرين المضروب به المثل في الصبر على البلاء أيوب عليه السلام، وأكثر أهل العلم على أنه من ذرِّية إبراهيم عليه السلام؛ لقوله تعالى: ﴿ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ﴾ [الأنعام: 83، 84]، بناء على أن الضمير في قوله تعالى: ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ﴾ عائدٌ على إبراهيم عليه السلام؛ لأن الكلام سيق من أجله، وقال بعض أهل العلم: إنه ليس من ذرية إبراهيم، وجعل الضمير في قوله: ﴿ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ ﴾ راجعًا إلى نوح؛ لأنه أقرب مذكور، على أن الله تبارك وتعالى قد حَصَرَ النبوَّة بعد إبراهيم في ذريته؛ حيث قال في سورة العنكبوت: ﴿ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِ النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ ﴾ [العنكبوت: 27].
وقد اشتملت قصَّة أيوب عليه في السلام في كتاب الله تعالى وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم على نقاط، منها: ابتلاؤه، وأنه مسَّه الضرُّ، وأن هذا الضرَّ أصابه في نفسه وأهله، فأحسَّ بنُصْبٍ وعذابٍ؛ أي: بتعب وألم ومشقَّة، ومنها أنه ابتُلي فحلف على فعل شيء يؤلمه تنفيذُه ويشقُّ عليه، كما أنه ابتُلي بالغنى الواسع والمال الوفير، ولم يثبت عن الله ولا عن رسوله صلى الله عليه وسلم تحديدُ نوع البلاء الذي أصيب به أيوب عليه السلام في جسمه؛ إلا أن القرآن العظيم يشير إلى أنه أُصيب بنوع من الحمَّى الشديدة؛ إذ جعل الله تبارك وتعالى علاجَه من مرضه أن يغتسل بماء بارد، وأن يشرب منه، وقد أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أُصيب بنوع من الحمى أن يغتسل بالماء البارد؛ فقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الحمَّى من فيحِ جهنَّمَ، فأطفِئُوها بالماء))، وفي لفظ للبخاري من حديث عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الحمَّى من فيحِ جهنَّم فأبردُوها بالماء))، كما روى البخاري ومسلم واللفظ للبخاري من طريق فاطمة بنت المنذر أنَّ أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما كانت إذا أتيت بالمرأة قد حُمَّتْ تدعو لها، أخذتِ الماء فصبَّتْهُ بينها وبين جيبها، وقالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمرُنا أن نبرِّدَها بالماء.
وليس كلُّ مرضٍ أو كلُّ حُمى يعالجها التبريد بالماء، إنما هو نوع خاص من الحمى؛ إذ إنَّ بعض أمراض الحمى قد يقتل المريض أن يغتسل بالماء.
والظاهر أن نوع المرض الذي أصاب أيوب عليه السلام كان غايةً في الشدَّةِ والوجع والألم، وليس ذلك بغريب؛ فإن أشدَّ الناس بلاءً الأنبياءُ ثم الأمثل فالأمثل، فقد روى البخاري ومسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يُوعَك وعكًا شديدًا، فمسسته بيدي فقلت: يا رسول الله، إنك توعك وعكًا شديدًا؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أجل، إني أُوعَكُ كما يُوعَكُ رجلان منكم))، فقلت: ذلك أن لك أجرين؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أجل))، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما مِنْ مسلمٍ يُصيبه أذًى من مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إلا حَطَّ اللهُ له سيئاتِه، كما تحط الشجرة ورقها)).
وقد أخرج الدارميُّ والنسائي في الكبرى وابن ماجه وصححه الترمذي وابن حبان والحاكم كلُّهم من طريق عصام بن بهدلة عن مصعب بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله، أيُّ الناس أشدُّ بلاءً؟ قال: ((الأنبياء، ثم الأمثل فالأمثل))، وقال ابن كثير في قصص الأنبياء من البداية والنهاية: وقد ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((أشدُّ الناس بلاءً الأنبياءُ، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل)).
أما ما يُذكر من أن أيُّوبَ مرِضَ وطالَ مرضُه حتى عافَه الجليس، وأُخرج من بلده، وأُلقي على مزبلة خارجها، وانقطع عنه الناس، ولم يبقَ أحدٌ يحنو عليه سوى زوجته، وأن الدودَ صار يسرح ويمرح في جسده، وأنه تساقَطَ لحمُه حتى لم يبقَ إلا العظم والعصب، وأنه مَرَّ عليه في هذا المرض ثلاثُ سنوات أو سبعُ سنوات أو ثلاث عشرة سنة أو ثماني عشرة سنة، وأنه كان له أخوان صديقان فجاءا يومًا فلم يستطيعا أن يدنوا منه من ريحه فقاما من بعيد، فقال أحدهما لصاحبه: لو كان الله علم من أيوب خيرًا ما ابتلاه بهذا، فجزع أيوب جزعًا شديدًا... إلخ، وأنه لمَّا شفاه الله جاءته امرأته إلى المزبلة فلم تعرفْه، فقالت له: أين ذهب هذا المبتلى الذي كان هاهنا لعلَّ الكلابَ ذهبت به أو الذئاب؟ هذا القصص المختلق لم يثبت شيءٌ منه بخبر صحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعامَّة أهل العلم على أن الله تبارك وتعالى يَحمي أنبياءه من الأمراض المُنَفِّرَة، وقد أشار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن الله تبارك وتعالى أعطى أيُّوب غنًى واسعًا؛ فقد روى البخاري في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((بَيْنَا أيوبُ يغتسلُ عريانًا خرَّ عليه رجل جرادٍ من ذهبٍ فجعل يَحْثِي في ثوبه، فناداه ربُّه: يا أيوب، ألم أكن أغنيك عما ترى؟ قال: بلى يا رب، ولكن لا غنى لي عن بركتك)).
وقد ساق الله تبارك وتعالى قصَّته في موضعين من كتابه الكريم، فقال في سورة الأنبياء: ﴿ وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ ﴾ [الأنبياء: 83، 84]، وقد عقَّب ذلك في هذا المقام ببيانِ أن الصبر من شِيم المرسلين، فقال: ﴿ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾ [الأنبياء: 85]، وقد بيَّن الله تبارك وتعالى في هذا المقامِ أنَّه تفضَّل على أيوب فاستجاب له، وكَشَفَ الضرَّ عنه، وأعطاه أهلَه ومثلَهم معهم رحمةً من الله وذكرى للعابدين.
وقال في سورة ص: ﴿ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ ﴾ [ص: 41 - 44].
وفي هذا المقامِ الكريمِ يسندُ أيوبُ الضرَّ الذي أصابه إلى الشيطانِ تأدبًا مع الله عز وجل في إسناد الشرِّ إلى الشيطان؛ لأنه سببُ كلِّ بلاء يصيب ابن آدم في الدنيا؛ حيث إنه هو المتسبب في إخراج آدم من الجنة وإهباطه إلى هذه الأرض للامتحان والابتلاء، وقد أشار الله تبارك وتعالى بقوله: ﴿ وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا ﴾ الآية، والضِّغْثُ: قَبْضَةُ الحشيش المختلطةِ الرطب باليابس، وهو يشعر أنه حلف في حالة غضب أن يضرب حبيبًا له عددًا معينًا، وقد أمره الله عز وجل أن يبرَّ بيمينه، فيضرب من حلف على ضربه بهذه القبضة، مكافأةً له على صبره وإحسانه؛ لأنه لو ضربه بسوط أو نحوه لآلَم ذلك الضارب والمضروب؛ ففرَّج الله كربته، ﴿ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ﴾ [الطلاق: 2، 3].
إرسال تعليق