بقلم \ المفكر العربى الدكتورخالد محمود عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
رئيس الإتحاد العالمي للمعلمين
مما لا شك فيه أن مفهوم الانتماء الوطني يعد من المفاهيم العالمية، والمهمة في عالمنا المعاصر والذي اصبح من المفاهيم المتكررة في وسائل اعلامنا وفي محاضراتنا وندواتنا بل اصبح مفهوماً رئيساً في حياتنا العامة، ولقد تناول المهتمون بأدبيات التربية موضوع الانتماء الوطني من خلال البحوث التربوية والكتب المتخصصة من خلال ايراد تعريفات لمفهوم الانتماء ومدلولاته. وقد عرف هذا المفهوم لغة: معناه الانتساب، فانتماء الولد الى أبيه انتسابه اليه واعتزازه به، والانتماء مأخوذ من النمو والزيادة والكثرة والارتفاع فالشجر ينمو وكذلك الإنسان.
كما عرف البعض الانتماء اصطلاحاً: هو الانتساب الحقيقي للدين الإسلامي والوطن فكراً ومشاعر ووجداناً، واعتزاز الفرد بالانتماء الى دينه من خلال الالتزام بتعاليمه والثبات على منهجه وتفاعله مع احتياجات وطنه وتظهر هذه التفاعلات من خلال بروز محبة الفرد لوطنه والاعتزاز بالانضمام اليه والتضحية من اجله.
ولقد ارتبط الإنسان منذ وجوده بشيئين هما المكان والزمان فالإنسان مرتبط بالمكان من حيث وجود ذاته، واذا كان المكان يدل على وجود الإنسان في جزء معين منه فان الزمن هو الذي يحدد مدى هذا الوجود وكميته، ولذلك فالمكان هو الوطن والانتماء المكاني هو الانتماء الوطني.
ومفهوم الانتماء الوطني وراثي يولد مع الفرد من خلال ارتباطه بوالديه وبالأرض التي ولد فيها، ومكتسب كذلك وينمو اكثر من خلال مؤسسات المجتمع المتمثلة في المدرسة والأسرة والإعلام والمسجد والأقران وخاصة عندما يرتبط هذا المفهوم بوطننا مصر فحب وطننا وانتماؤنا له والولاء له واجب وغريزي في كل منا ورثه من ابائه ونما من خلال مؤسساته وتوارثنا لحب وطننا يعود الى ان حب الوطن واجب لدى كل فرد تجاه وطنه وخاصة عندما يكون هذا الوطن مصر .
ولقد تناول المهمتون بالكتابة في مضامين الانتماء الوطني بالكتابة عن الانتماء وتحديده بشحنة عقلية وجدانية كامنة بداخل الفرد تظهر في الموقف ذات العلاقة بالوضع على مستويات ومجالات مختلفة يمكن تحديدها من خلال مجموعة من الممارسات السلوكية الصادرة عن الفرد بحيث تكون تلك الممارسات معبرة عن موقف الفرد ورؤيته تجاه ما يحدث من مواقف في مجتمعه، ولقد ظهرت الكثير من مضامين الانتماء الوطني الجيدة من خلال الشحنات الوجدانية الايجابية لدى المصريين خلال الاحداث المختلفة
* ويعد الانتماء حاجة من الحاجات الهامة التي تشعر الفرد بالروابط المشتركة بينه وبين افراد مجتمعه، وتقوية شعوره بالانتماء للوطن وتوجيهه توجيهاً يجعله يفتخر بالانتماء ويتفانى في حب وطنه ويضحي من أجله، كما ان مشاركة الانسان في بناء وطنه تشعره بجمال الحياة.
* ويشتمل الانتماء على قيم مهمة تتمثل في قيمة محبة الفرد مجتمعه وحرصه عليه وتفاعله مع جميع أفراده. كما تعد طاعة ولاة الأمر والتفاعل معهم والالتفاف حولهم جزءًا مهما لتحقيق الانتماء الوطني وتحقيقًا لتماسك المجتمع ونجاحه في تحقيق أمنه ونجاح خطط التنمية وتحقيق رفاهيته.
* كما تتناول قيمة الانتماء الوطني حرص أبناء المجتمع على الحوار بين أفراده وإبراز ثقافة أدب الحوار وأدب ثقافة الخلاف وجعل مصلحة الوطن بارزة أمام الجميع؛ فالحوار من أجل الوطن وليس من أجل تحقيق تفوق شخصي أمام الآخرين.
* ومن قيم الانتماء الوطني العمل على إبراز قيمة الوحدة الوطنية وجعلها هدفًا يعمل الجميع على تحقيقه والمحافظة عليه، كما أن قيمة التسامح جزء مهم من قيم الانتماء الوطني؛ لأن من يعيش على أرض الوطن له الحق في المشاركة في بناء حضارته والمساهمة في التفاعل مع مجتمعه. ويعد الحفاظ على الأمن جزءًا مهما من الانتماء الوطني للفرد والمجتمع حيث إن المواطن يعيش على أرض هذا الوطن ويعمل على الحفاظ على أمن الوطن الفكري والأمني والاجتماعي والاقتصادي.
**التعليم يعمل على تنمية الانتماء الوطني لدى الطلاب من خلال:
- غرس الانتماء إلى الوطن لدى الطالب لأنه أحد دعائم بناء الفرد والمجتمع، واعتبار الفرد جزءا منه ومعرفة الأحداث الجارية في الوطن والتفاعل معها إيجابيا.
- طاعة ولاة الأمر وهذه قيمة مهمة تعمل على تعريف الطلاب واجباتهم تجاه ولاة أمرهم ووجوب طاعتهم والعمل على المساهمة في بناء تنمية الوطن.
- المشاركة في شؤون المجتمع والاهتمام بالآخرين، ويظهر ذلك من خلال الاهتمام بالطالب وعائلته والتفاعل مع جيرانه ومجتمعه.
- الالتزام بالسلوك الجيد والأخلاق الحميدة، ويظهر ذلك في جميع المواد الدراسية التي تعمل على غرس القيم الإسلامية وتنميتها لدى الطلاب.
- القدرة على امتلاك المعارف والمعلومات عن أنظمة الوطن ولوائحه، وعن مؤسسات المجتمع المدني والأمني.
- القدرة على مناقشة الفِكَر والآراء بشكل علمي سليم من أجل تزويد الفرد بالكثير من المفاهيم والاتجاهات الإيجابية.
-احترام عادات وتقاليد الوطن وتقدير مؤسساته واحترام أنظمته والمحافظة على ثرواته.
وحتى يتحقق حب الوطن عند الإنسان لا بُد من تحقق صدق الانتماء إلى الدين أولاً ، ثم الوطن ثانياً ، إذ إن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحُث الإنسان على حب الوطن ؛ ولعل خير دليلٍ على ذلك ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وقف يُخاطب مكة المكرمة مودعاً لها وهي وطنه الذي أُخرج منه .
فقد روي عن عبد الله بن عباسٍ ( رضي الله عنهما ) أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمكة :" ما أطيبكِ من بلد ، وأحبَّكِ إليَّ ، ولولا أن قومي أخرجوني منكِ ما سكنتُ غيركِ " ( رواه الترمذي ، الحديث رقم 3926 ، ص 880 ).
ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو مُعلم البشرية يُحب وطنه لما قال هذا القول الذي لو أدرك كلُ إنسانٍ مسلمٍ معناه لرأينا حب الوطن يتجلى في أجمل صوره وأصدق معانيه ، ولأصبح الوطن لفظاً تحبه القلوب ، وتهواه الأفئدة ، وتتحرك لذكره المشاعر .
وإذا كان الإنسان يتأثر بالبيئة التي ولد فيها ، ونشأ على ترابها ، وعاش من خيراتها ؛ فإن لهذه البيئة عليه ( بمن فيها من الكائنات ، وما فيها من المكونات ) حقوقاً وواجباتٍ كثيرةً تتمثل في حقوق الأُخوة ، وحقوق الجوار ، وحقوق القرابة ، وغيرها من الحقوق الأُخرى التي على الإنسان في أي زمانٍ ومكان أن يُراعيها وأن يؤديها على الوجه المطلوب وفاءً وحباً منه لوطنه
.
وإذا كانت حكمة الله تعالى قد قضت أن يُستخلف الإنسان في هذه الأرض ليعمرها على هدى وبصيرة ، وأن يستمتع بما فيها من الطيبات والزينة ، لاسيما أنها مُسخرةٌ له بكل ما فيها من خيراتٍ ومعطيات ؛ فإن حُب الإنسان لوطنه ، وحرصه على المحافظة عليه واغتنام خيراته ؛ إنما هو تحقيقٌ لمعنى الاستخلاف الذي قال فيه سبحانه وتعالى : { هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا ) ( سورة هود : الآية 61 )
ويمكن القول : إن دور التربية الإسلامية يتمثلُ في تنمية الشعور بحب الوطن عند الإنسان في ما يلي :
( 1 ) تربية الإنسان على استشعار ما للوطن من أفضالٍ سابقةٍ ولاحقة عليه ( بعد فضل الله سبحانه وتعالى ) منذ نعومة أظفاره ، ومن ثم تربيته على رد الجميل ، ومجازاة الإحسان بالإحسان لاسيما أن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف تحث على ذلك وترشد إليه كما في قوله تعالى : { هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ } ( سورة الرحمن :60 ( .
( 2 ) الحرص على مد جسور المحبة والمودة مع أبناء الوطن في أي مكانٍ منه لإيجاد جوٍ من التآلف والتآخي والتآزر بين أعضائه الذين يمثلون في مجموعهم جسداً واحداً مُتماسكاً في مواجهة الظروف المختلفة
.
( 3 ) غرس حب الانتماء الإيجابي للوطن ، وتوضيح معنى ذلك الحب ، وبيان كيفيته المُثلى من خلال مختلف المؤسسات التربوية في المجتمع كالبيت ، والمدرسة ، والمسجد، والنادي ، ومكان العمل ، وعبر وسائل الإعلام المختلفة مقروءةً أو مسموعةً أو مرئية .
( 4 ) العمل على أن تكون حياة الإنسان بخاصة والمجتمع بعامة كريمةً على أرض الوطن ، ولا يُمكن تحقيق ذلك إلا عندما يُدرك كل فردٍ فيه ما عليه من الواجبات فيقوم بها خير قيام
( 5 ) تربية أبناء الوطن على تقدير خيرات الوطن ومعطياته والمحافظة على مرافقه ومُكتسباته التي من حق الجميع أن ينعُم بها وأن يتمتع بحظه منها كاملاً غير منقوص .
( 6 ) الإسهام الفاعل والإيجابي في كل ما من شأنه خدمة الوطن ورفعته سواءٌ كان ذلك الإسهام قولياً أو عملياً أو فكرياً ، وفي أي مجالٍ أو ميدان ؛ لأن ذلك واجب الجميع ؛ وهو أمرٌ يعود عليهم بالنفع والفائدة على المستوى الفردي والاجتماعي .
( 7 ) التصدي لكل أمر يترتب عليه الإخلال بأمن وسلامة الوطن ، والعمل على رد ذلك بمختلف الوسائل والإمكانات الممكنة والمُتاحة.
( 8 ) الدفاع عن الوطن عند الحاجة إلى ذلك بالقول والعمل .
إرسال تعليق