رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن علاقة الأخلاق بالتربية

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن علاقة الأخلاق بالتربية


رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن علاقة الأخلاق بالتربية
بقلم \  المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي  عبد اللطيف
مؤسس  ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولي
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
أَوْلى الإسلامُ – متمثلًا في مصدريه القرآن الكريم والسنَّة النبوية المطهَّرة – عنايةً فائقة وكبيرة بالأخلاق؛ فالأخلاق من أسس الإسلام؛ ذلك أنها متصلة بعمل المسلم ونشاطاته، وبكل ما يتعلق بعلاقته بربه، ومع نفسه، ومع غيره، وبكل ما يحيط به، حتى مع الحيوانات والجمادات.
والأخلاق الحسَنة صفة سيد المرسلين، وأفضل أعمال الصِّدِّيقين، وهي على التحقيق شَطر الدِّين، وثمرة مجاهدة المتقين، ورياضة المتعبدين، و”الدِّين كله خُلُق، فمن زادَ عليك في الخُلق زاد عليك في الدِّين”؛ كما عند ابن القيم – رحمه الله – في مدارج السالكين.
فالأخلاق مصدرها الدِّين الذي يبث الطاقة الروحية، وتدخل الأخلاق في كافة أمور الدِّين، من كونها امتثالًا لأمر الله: ﴿ خُذِ الْعَفْوَ ﴾ [الأعراف: 199]، وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم: ((وخالِقِ الناسَ بخُلقٍ حَسنٍ))؛ (رواه الترمذي 4/355)، وهي مراد الله سبحانه من الإنسان المسلم بأن يكون ذا خُلُق كامل زكي النفس؛ قال تعالى: ﴿ قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ﴾ [الشمس: 9].
والأخلاق مثمِرة في الدعوة إلى الله عز وجل؛ فكثير ممن أسلَموا دخلوا في دِين الله لتأثُّرهم بأخلاق المسلمين.
والسلوكيات الأخلاقية وآدابها هي التي تميّز سلوك الإنسان عن سلوك البهائم، سواء في تحقيق حاجاته الطبيعية، أو في علاقاته مع غيره من الكائنات الأخرى؛ ولهذا فالآداب الأخلاقية زينة الإنسان، وحِليته الجميلة، وبقدر ما يتحلى بها الإنسان يُضْفي على نفسه جمالاً وبهاءً، وقيمة إنسانية.
والأخلاق تكون إمَّا جِبِلَّةً جبَل الله عليها الإنسان؛ كقوله صلى الله عليه وسلم لزارع بن عامر بن عبدالقيس رضي الله عنه: ((بَلِ اللهُ جبلكَ عليهما..))؛ (رواه أبو داود 4 /357)، وإما أن تُكتَسَب؛ كما يقرّه العلماء، وعلماء التربية، ومنهم الإمام الغزالي رحمه الله بقوله في الإحياء: “قد عرَفت بهذا قطعًا أن هذه الأخلاق الجميلة يمكن اكتسابُها بالرياضة، وهي تكلُّف الأفعال الصادرة عنها ابتداءً لتصير طبعًا انتهاءً، وهذا من عجيب العلاقة بين القلب والجوارح، أعني النفس والبدن”، مستندين بذلك على قوله عليه السلام: ((وإنما الحِلْمُ بالتَّحلُّمِ))؛ (صحيح الجامع: 2328)، ولو كانت الأخلاقُ لا تقبل التغيير لبطلت الوصايا والمواعظ والتأديبات، وكيف ينكر هذا في حق الآدمي وتغييرُ خُلُق البهيمة ممكنٌ؛ إذ ينقل البازي من الاستيحاش إلى الأُنْس، والكَلْب مِن شَرَهِ الأكل…؟! وغير ذلك.
وإذا أُهمِلت الطباع ولم ترضَ بالتأديب والتقويم نشأ كل إنسان على رسوم طباعه، وبقِي عمرَه كلَّه على الحال التي كان عليها في الطفولة، وتبع ما وافَقه في الطبع، إما الغضب، وإما اللذة، وإما الزَّعَارة، وإما الشَّرَه، وإما غير ذلك مِن الطباع المذمومة.
والتربية الأخلاقية من أشرف العلوم وأرفعها، وهي تاج العلوم وإكليلها، وبها تنهض المجتمعات وتُبنى وتبقى؛ كون الأخلاق معيارَ المجتمعات وتقدُّمها وتماسكها، وحفاظها على هُوِيَّتها وكِيانها.
ونلمس ذلك جليًّا في التحول الذي أجراه الإسلام حين حوَّل العرب المتناحرين إلى إخوة متحابين، تسُود بينهم الألفة والمودة من خلال تربية القرآن بآياته، وتربية الحبيب صلى الله عليه وسلم بأفعاله وأقواله.
وفي الوقت الراهن ضربت دولة اليابان مثالاً عظيًما في هذا بعد ضربها بالقنبلة النووية، فلجأت إلى التربية والتعليم، وأدخلت فيها مادة التربية الأخلاقية – رغم عدم بنائها على عقيدة سليمة – ووضَعت الأسس والمبادئ فيها، فنهضت بقوة.
ومن أهم طرق اكتساب الأخلاق التعرض لتربية المربّين، وقَبول ما عندهم من الخير ومكارم الأخلاق، وهذا ما يعرف بالتربية بالقدوة، ومن هذا ما أمرنا الله به بالتأسّي بحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم: ﴿ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ ﴾ [الأحزاب: 21]، وكذلك العلم؛ فهو – كما عند ابن حزم رحمه الله – يُعَلِّمُ حُسنَ الفضائل، فيأتيها المتعلم، ويُعَلِّمُ قُبحَ الرذائل، فيجتنبها، وَيسمعُ الثناءَ الحسنَ فيرغب في مِثله، والثناءَ الردي، فينفر منه، ولا يأتي الفضائلَ مَن لم يتعلَّمِ العلمَ، ومن ذلك النظر في كتاب الله، وفي سنة رسوله صلى الله عليه وسلم بالنصوص الدالة على مدح ذلك الخُلق العظيم الذي يريد أن يتخلق به، وعقوبة سوء الأخلاق، وهذا جميعه يحصل من خلال العملية التربوية.
وفي التربية الأخلاقية لا بد من التعاون والتكافل بين المؤسسات التربوية؛ كالأسرة، والمدرسة، فإنه من الصعب أن يقوم فردٌ واحد بتربية أبنائه مثلًا دون تعاون مَن معه ومَن حوله على هذه المهمة، ويجب أن يكون تصور الأخلاق من خلال تصور الخير والشر على رأي واحدٍ وموقف واحدٍ من المؤسسات التربوية، ومتى ما كانت على رأيين وموقفين في هذا فستسقط البوصلة، وسيتشتت الأمر ويضيع المتربي.
والتربية التي لا تبنى على أخلاق وقيم واضحة محددة ستزيغ عن الدرب، وتفقد الهدف، ولن تؤتي ثمارها؛ إذ سوف يغيب العدل والإنصاف والصدق… وغير ذلك، وتحل مكانها القِيَم الهادمة التي تنخر في النظام التربوي التعليمي، وهذا ما يميز التربية الإسلامية التي تضع الأخلاق وتزِنُها وتأطرها بميزان الشرع، فلا يحصل تناقض وتضاد، أو تبديل وتحويل.
وبداية التغيير إنما هي من النفس: ﴿ إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ ﴾ [الرعد: 11]، من خلال القناعة التي يتحصل عليها من التربية وطرائقها، ومعلومٌ أن مَن استُهدِف بالتربية، ولكنه لم يقتنع بها، ولم يرضَ بها، فلن تنفعه هذه التربية.
المراجع:
1- خالد الخراز: موسوعة الأخلاق.
2- الغزالي: إحياء علوم الدين.
3- ابن قيم الجوزية: مدارج السالكين بين منازل إياك نعبد وإياك نستعين.
4- مكتب التربية لدول الخليج العربي: من أعلام التربية العربية والإسلامية.
5- مقداد يالجن: علم الأخلاق الإسلامية.
6- ابن مسكويه: تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق.
7- ابن حزم: الأخلاق والسِّيَر في مداواة النفوس.

8- عبدالله الرحيلي: الأخلاق الفاضلة قواعد ومنطلقات لاكتسابها 

اكتب تعليق

أحدث أقدم