رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن المال من منظور الإسلام

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن المال من منظور الإسلام




بقلم \ المفكر العربى الدكتور خالد محمود عبد القوي عبد اللطيف

مؤسس ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
مما لا شك فيه أن الله - تعالى -عندما خلق الإنسان جعل فيه ميلا إلى حب المال وتملكه والاستكثار منه، فقال عنه: (وإنه لحب الخير لشديد)، وقال - تعالى -: (وتحبون المال حباً جماً) الفجر..
وقد جعل الله - تعالى - المال والبنين زينة الحياة الدنيا، فقال: (المال والبنون زينة الحياة الدنيا) [الكهف: 46]، وقال - تعالى -: (زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين والقناطير المقنطرة). فإن المال لا يطلب لذاته في هذه الدنيا، وإنما يطلب عادة لما يضمنه من مصالح، ولما يحققه من منافع، إنه وسيلة، والوسيلة تحمد أو تعاب، بمقدار ما يترتب عليها من نتائج حسنة أو سيئة.
المال كالسلاح، والسلاح في يد المجرم يقتل به الآخرين، ولكنه في يد الجندي قد يدفع به عن وطنه أو يحرس به الأمن في بلده، فليس السلاح محموداً أو معيباً لذاته، والمال كذلك، وقد قال الله - تعالى - في المال وما يسوق لأصحابه في الدنيا والآخرة من خير أو شر، قال: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِى عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى)[الليل: 5-11].
والمال كما يكون زينة الحياة ييسر مباهجها، ويقرب شهواتها، فقد يكون كذلك سياج الدين وضمان بقائه، ومدد تسليحه وحماتيه، وقد قال الله في بيان قيمة المال والبنين لإحراز النصر، ورفع الشأن، قال: (ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَـاكُم بِأَمْوالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَـكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا) [الإسراء: 6].
فتنتصر الأمم بالمال والبنين، وتنهزم بهما كذلك يوم يكون مالها أداة ترف، أو يوم يكون مصدر استعلاء وطغيان، ويوم يكون أبناؤها طلاب ملذة و لهو ولعب.
منهج الإسلام في المال:
وللإسلام موقف أو منهج مستقل من المال نحب أن نشرحه، فإن بعض المثقفين الجدد يظنون أن الدين تحدث في العقائد أو في العبادات، وأن حدوده شرقاً وغرباً تنتهي بذلك ولا يتدخل في الأخلاق والمعاملات والتشريعات، فيستغرب هؤلاء المثقفون من ضحايا الغزو الثقافي والفكري العالمي من تدخل الإسلام في الاقتصاد وسائر المعاملات، ما علم هؤلاء أنهم ينتمون إلى دين ما ترك خيراً إلا أمر به ولا شراً إلا نهى عنه، ولا مصلحة تقرب العباد إلى الله إلا أكدها، ولا مضرة تصرف الناس عن ربهم إلا أبعدها وندد بها وبارتكابها، يقول الله - تعالى -: (ما فرطنا في الكتاب من شيء) الأنعام: 38.
إن الاقتصاد الإسلامي اقتصاد فريد وله منهج متكامل، وليس شيئًا مستورداً من شرق أو غرب؛ بل هو مستمد من وحي السماء، من كتاب الله وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وقد تحدث فقهاؤنا عن جميع مجالات الاقتصاد وسبقوا المذاهب الغربية والشرقية فتحدثوا مثلاً عن التسعير للخدمات الاجتماعية والأدبية، فسبقوا الدول المتقدمة، وهو ما يطبق الآن في البلاد الراقية.
فالإسلام له منهج متكامل في المال وله قواعد وضوابط يجب أن نتدبرها بأناة ونعمل على تطبيقها؛لأنها تفرق بينه وبين بعض المذاهب الاقتصادية السائدة في الدنيا ويتضح منها منهج الإسلام الشامل المتوازن في المال الذي هو عصب الحياة وقد يكون السبب في شقاء الإنسان وتعاسته أو السبب في فوزه وفلاحه وسعادته، ويمكن أن نذكر هذا المنهج وتلك الضوابط في النقاط التالية:
أولاً: أن تعتقد أنه مال الله:
ألا تظن نفسك المالك الأصيل لهذا المال، بل تشعر أن المالك الأصيل له هو ربك الذي خوّلك وملكك ومنحك وأعطاك! وأنت لست إلا صاحب يد عارضة عليه، ومن فضل الله عليك أن جعل يدك في هذا المال تعطي نفسك، وتعطي غيرك، والمالك الأول هو رب العالمين، وهذا المعنى هو الذي أكده القرآن في قوله جل شأنه: (وَأَنفِقُواْ مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) الحديد: 7.
سئل أعرابي كان في قطيع غنم يملكها... سئل: لمن هذا القطيع؟ كان جواب الرجل: هو لله عندي!! وهذا جواب سديد، فلا تظن نفسك بالتملك قد أصبحت مالك الملك: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَـاواتِ وَالأَرْضِ) الشورى: 49.
فاعتبر نفسك مستخلفاً، وهذه النظرية - نظرية الاستخلاف - تجعلك تدقق فيما تنفقه على نفسك أو على غيرك، أي ليست حريتك مطلقة، فأنت مراقب في تصرفك، مراقب من صاحب المال الذي وظفك فيه، المال مال الله.
ثانيا: أن الله - تعالى - أعطاك المال ليختبرك:
أو يمتحنك وينظر ماذا أنت فاعل فيه، هل تؤدي حق الله في المال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) البقرة: 254 وتتبع المنهج الإسلامي في تصرفاتك المالية أم لا؟.
ثالثا: الغنى غنى النفس:
فمهما ملك الإنسان من مال فهو فقير إلى الله - تعالى - وقد يذهب ماله في لحظة ويتحول من غني إلى فقير، فالسعادة ليست في امتلاك المال وحده بل في الإيمان والطاعة التي يجد لذتها وحلاوتها المؤمن المجاهد لنفسه ولشيطانه فيلزمها تقوى الله ويأخذ من سير المتكبرين عبرة، وفي قصة قارون عبرة لأولى الأبصار (راجع الآيات في سورة القصص).
رابعا: أن الله - تعالى - أنزل الأرزاق وقسمها بحكمة:
قد لا تظهر لك إلا بعد مدة طويلة فتحمد الله على ذلك لأنه لو أغناك وأنت مسرف أو مستهتر فقد تضيع مالك ودينك، لكنه أغناك بعد ما اتبعت منهجه وتوسطت في الإنفاق بين التبذير والتقتير، ثم إن الله - تعالى -من حكمته أن خلق الأغنياء والفقراء وخلق الاختلاف في الأجواء وغيرها لنعرف نعمة الله علينا من رؤية هذا الاختلاف قال - تعالى -: (وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِن يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَّا يَشَاء إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ)الشورى 27، وخلق الله الأغنياء والفقراء لحكمة أيضا وهي تسيير أمور الناس والفقراء يقومون بالأعمال الوضيعة ولكنها شريفة ومن يقم بهذه الأعمال لو خلق الله العباد كلهم أغنياء؟ وقال - سبحانه -: (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا) الزخرف: 32.
خامساً: دعا الإسلام أتباعه للعمل ونهاهم عن المسألة:
فالإسلام يطلب من أبنائه أن يكونوا أصحاب همم، فكسب المال عندهم يخضع لتصرف الهمة الكبيرة، قد يكون المال قريباً منك، ولكن لا ينبغي أن تأخذه من أيسر سبيل وتقعد.
عندما عرض سعد بن الربيع على عبد الرحمن بن عوف - رضي الله عنه - أن يتملك وأن يعيش على فضل أخيه، كان جواب عبد الرحمن: لا، دلوني على السوق، وبهذا الخلق استطاع المهاجرون أن يزاحموا الاقتصاد اليهودي في المدينة المنورة، وأن يجعلوا المال إسلامياً، وهذا شيء له خطورته في كسب النصر للدين نفسه، فإن الاقتصاد يوم تعبث به أيدي من لا ملة لهم ولا شرف فإنهم يسخرونه في ضرب الملة السمحة. ومن هنا اعتبر أن يد المعطي هي اليد العليا، الله هو الأعلى، ويد المعطي يد عليا، والآخذ يده دنيا، ولأن تكون أسداً تأكل الثعالب من فضلاته أشرف من أن تكون ثعلباً تأكل من فضلات الناس، يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: (مَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَسْأَلُ النَّاسَ حَتَّى يَأْتِيَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَيْسَ فِي وَجْهِهِ مُزْعَةُ) رواه البخاري.
ولذلك كان الإسلام شديد الحث على أن ينطلق المؤمنون في المشارق والمغارب يكسبون رزقهم، ويطلبون فضل الله في مناكب المبعثرة هنا وهناك، أو المخبوءة تحت طباق الثرى، وهذا سر قوله جل شأنه: (وَلَقَدْ مَكَّنَّـاكُمْ فِي الأرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَـايِشَ) [الأعراف: 10]، وقوله جل شأنه: (وَهُوَ الَّذِى سَخَّرَ الْبَحْرَ لِتَأْكُلُواْ مِنْهُ لَحْمًا طَرِيّا وَتَسْتَخْرِجُواْ مِنْهُ حِلْيَةً تَلْبَسُونَهَا وَتَرَى الْفُلْكَ مَوَاخِرَ فِيهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) النحل: 10-14.
ويقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَأَنْ يَأْخُذَ أَحَدُكُمْ حَبْلَهُ فَيَحْتَطِبَ عَلَى ظَهْرِهِ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَأْتِيَ رَجُلًا فَيَسْأَلَهُ أَعْطَاهُ أَوْ مَنَعَهُ " رواه البخاري.
سادساً: احترم الإسلام حق التملك: أو الملكية الخاصة:
فالإسلام يضمن أو يبيح ويقر حرية التملك، ويعتبر حق التملك حقاً له قداسته ومكانته، ويعتبر أن الجور على هذا الحق أو توهينه في المجتمع ليس من شأن المسلمين، ولا هو من مسالك الأتقياء، لكل إنسان الحق المطلق في أن يكتسب بكد يمينه، وعرق جبينه ما يقيم به معايشه، وما يصون به مروءته، وما يربي به ولده، وما يحفظ به عرضه، لكل إنسان الحق كاملاً في هذا.
السبب في أن الإسلام احترم الملكية الخاصة، ورفض ما تبنته بعض النظريات القديمة والحديثة من شيوع المال ورفض الملكية الخاصة لأنه يحترم حرية الإنسان، ولما كان حق التملك جزءاً من الحرية الإنسانية فإن الإسلام لم يصادره، والله - سبحانه وتعالى - لم يخلق الإنسان ليكون عبد أحد، وإنما خلقه ليكون عبد ربه وحده جل شأنه، ومن حق الإنسان أن يكون حُراً، ومن تمام حريته أن يمتلك، هذا سبب.
وسبب آخر أن استثمار الأموال وزيادة الإنتاج إنما يكونان بالملكية الخاصة، فإن صاحب المال الذي يعلم أن يده عليه وحقه فيه يسهر على حمايته، ويفتنُّ في إبعاد الآفات عنه، ولكنه يوم يعلم أن هذا المال ليس له، وأن زيادته لن تعود عليه فإنه لا يبالي زاد أم نقص، وإن بالى فإن دوافعه إلى حفظه ستكون أضعف من دوافعه النفسية يوم يكون المال ملكاً له.
وقد ثبت عن طريق التجربة أن المال الخاص أنمى وأقدر على المضي في سلم الترقي والزيادة من أي مال عام!.
يسر الإسلام للناس أسباب التملك، ودعا الناس لتنمية أموالهم ولكن وضع لهم ضوابط عديدة منها تنمية المال بطرق الكسب الحلال، ثم أداء حق الله في المال، والبعد عن السرقة والغش والاحتكار والخيانة.. .

اكتب تعليق

أحدث أقدم