رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن النزاع بين الدين والعلم

رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن النزاع بين الدين والعلم


رئيس اتحاد الوطن العربي الدولي يتحدث عن النزاع بين الدين والعلم
بقلم \  المفكر العربى الدكتور خالد محمود  عبد القوي عبد اللطيف
مؤسس  ورئيس اتحاد الوطن العربى الدولى
رئيس الإتحاد العالمي للعلماء والباحثين
عبر التاريخ لم يكن هناك بروز لفكرة (النزاع بين الدين والعلم)؛ لأنه في أحقاب كثيرة كانت الهيمنة للدين وتوجيهاته، وكانت خطوات التطور العلمي بطيئة، وبعضها كان يدور في فلك الضرورات، وبعضها كان ممزوجًا بالوثنيات والأسطوريات.
وحتى في اليهودية لم يظهر هذا الصراع، وإنما برز في عصر سيطرة الكنيسة، بُعيد ظهور المسيحية بأكثر من تسعة قرون!
وقد بدأت قضية الصدام تطفو على السطح تحديدًا مع ظهور عصر التنوير أو عصر النهضة الأوربية، وبداية الوقوف بحزم من رجال العلم ضد سيطرة الكنيسة المطلقة، وكان من أبرز هؤلاء الرجال (فرانسيس بيكون) (1606م)، و (رينيه ديكارت) (1750م)، و(باروخ أسبينوزا)، و(جون لوك) (1704)، و(دافيد هيوم) (1776)، و(فولتير) (1788)، و(عمانويل كانت) (1804)، و(جوهان فون جيته) (1832)، و(جورج هيجل) (1831)، و(آرثر شوبنهور) (1860)، و(رالف إمرسن) (1883)، و(هربرت سبنسر) (1903)، و(فردريك نيتشه) (1900)، و(وليم جيمس) (1910)، و(جان جاك روسو) وغيرهم.
وقد ذاق العالم من جراء هذا الانفصام والصراع الكثير في أخلاقه، وقيمه التي آمن بها على امتداد تاريخ البشرية كله؛ بحيث بدأ صرح الفكر الإنساني، وكأنه آيل للسقوط في ظل هذا الانفصام والصدام المروع بين الدين والعلم!!
أما في الحضارة الإسلامية، فعلى مستوى التطبيق الإسلامية – فضلاً عن موقف القرآن – فإن ما يسمى بالنزاع بين العلم والدين أمر لم يظهر كقضية في الحضارة الإسلامية، بل قد اعتبر العلماء الطبيعيون والفلكيون والرياضيون أنفسهم في عبادة لا تقل عن عبادة إخوانهم علماء الدين.
لقد حشد القرآن ما يقرب من خمسين آية في تحريك العقل البشري، وانتشاله من وهدة التقليد والتبلد، كما حشد عشرات الآيات في إيقاظ الحواس من سمع وبصر ولمس، وعشرات أخرى في إيقاظ التفكير والتفقه، فضلاً عن آيات طلب البرهان والمحبة والجدال بالتي هي أحسن، بل إن القرآن أضاف حقيقة في غاية الأهمية هي أنه أطلق كلمة العلم على الدين[1]، كأنما يمزج بينهما في مرحلة العصر القرآني مزجًا لا فكاك له، ومن ثم يغدو العلم والدين سواءً في لغة القرآن.
يقول القرآن الكريم مخاطبًا النبي – عليه الصلاة والسلام -: ﴿ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم مِّنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ إِنَّكَ إِذاً لَّمِنَ الظَّالِمِينَ ﴾ [البقرة: 145]؛ أي: الدين، ويقول: ﴿ فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلْمِ ﴾ [آل عمران: 61]؛ أي: الدين، ويقول الله عن القرآن نفسه: ﴿ وَلَقَدْ جِئْنَاهُم بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً ﴾ [الأعراف: 52]، فالآيات كلها تفيد أن ما أنزل الله على محمد من دين إنما هو “العلم”، وأن القرآن مفصل على “علم” كما تبين آية أخرى هي قوله تعالى: ﴿ وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ وَالإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ ﴾ [الروم: 56]، هذا المزج الذي يتجلى في أوضح صورة في التاريخ الإنساني بين العلم والإيمان.
وحسبنا أن نشير إلى أن كلمة “علم” بتصريفاتها المختلفة قد وردت في القرآن في أكثر من سبعمائة وخمسين آية.
وانطلاقًا من هذه الرعاية للعلم في ظل الإسلام وضع علماء الإسلام منهجًا تجريبيًّا حسيًّا وعقليًّا في البحث مختلفًا في المنهج اليوناني، كما وضعوا نظريات علمية مستقلة للمعرفة “إبيستمولوجيا”.
وقد ظلت آثار هؤلاء العلماء المسلمين هي الآثار العلمية المعتمدة خلال العصر الوسيط كله، ومن آثار هؤلاء العلماء: (ابن النفيس) مكتشف الدورة الدموية الصغرى، و(جابر بن حيان) مكتشف الصودا الكاوية، وحامض الكبريتيك بعد تقطيره، و(الرازي) مكتشف زيت الزاج، وعدة أمراض، و(ابن الهيثم) مكتشف علم البصريات، و(الفرغاني) واضع علم المثلثات، و(الكندي) مؤلف في البصريات، و(الإدريسي) مثبت كروية الأرض[2]، فضلاً عن (ابن حزم) الذي عقد فصلاً كاملاً عن إثبات كروية الأرض، نقلاً وعقلاً في كتابه المرسوم باسم (الفصل في الملل والنحل)، و(جابر بن حيان) أبو الكيمياء، و(ابن البيطار) في الصيدلية، و(ابن الحفيد) في العدوى، وغيرهم ممن لا يمكن حصرهم في هذا المقام، والمهم أنهم جميعًا كانوا يتعبدون بعلمهم، ويتقربون إلى الله به، دون أن يشعروا بأي انفصال، فضلاً عن نزاع بين العلم والدين، بل كثيرًا ما كان بعضهم فقهاء في علوم الدين ورجال علم في الوقت نفسه.
إن الطبيعة التي يعزو إليها كثير من الملحدين القوانين التي لا يستطيعون تفسيرها هي بكل قوانينها حقيقة من حقائق الكون، وليست تفسيرًا له، وتؤهله كذلك، وما يكتشف من قوانين ليست نفيًا للصانع، بل هي على أحسن احتمالاتها – إن صحت بصورة مطلقة، وهذا بعيد في منهج العلم – ليست إلا بيانًا لخلق الله.
إن العلم الحديث تفصيل لما يحدث وليس بتفسير لهذا الأمر الواقع فكل مضمون العلم هو إجابة عن السؤال: (ما هذا) وليس لديه إجابة عن السؤال: (ولكن لماذا؟).
ويوضح البروفسور (سيسل بايس هامان) – وهو أستاذ أمريكي في البيولوجيا – هذه الحقيقة في شرحه لقضية صيرورة الغذاء جزءًا من البدن عن طريق العناصر الكيماوية لتصبح تفاعلاً مفيدًا، فيقول:
لو أنك سألت أي طبيب: ما السبب في وراء احمرار الدم؟ لأجاب:
• لأن في هذه الخلايا مادة تسمى “الهيموجلوبين”، وهي مادة تحدثها الحياة حين تختلط بالأكسجين في القلب، حسنًا، ولكن من أين تأتي هذه الخلايا التي تحمل “الهيموجلوبين” إنها تصنع في الكبد، عجيب! ولكن كيف ترتبط هذه الأشياء الكثيرة من الدم والخلايا والكبد وغيرها بعضها ببعض ارتباطًا كليًّا، وتسير نحو أداء واجبها المطلوب بهذه الدقة البالغة؟!
هذا ما نسميه بقانون الطبيعة، ولكن ما المراد بقانون الطبيعة يا سيدي الطبيب؟
المراد بهذا القانون هو الحركات الداخلية العمياء للقوى الطبيعية والكيماوية، ولكن لماذا تهدف هذه القوى دائمًا إلى نتيجة معلومة؟ وكيف تنظم نشاطها حتى تطير الطيور في الهواء وعيش السمك في الماء، ويوجد الإنسان على سطح الأرض بجميع ما لديه من الإمكانات والكفاءات العجيبة؟[3].
إن هذا ما لا يجيب عليه العلم، إنه يترك الإجابة للدين.
ومع ذلك فالعقل قادر على الإجابة لو لجأ إلى شقيقه الأكبر، وموجهه وحارسه وهو (الدين)، وعمد إلى الالتقاء معه، يقول (ابن طفيل) في ذلك على لسان (بسكال) في قصة حي بن يقظان، ويلتقي معه (الفارابي، وابن سينا) في قوله الذي يذكر فيه ما يلي:
“إن العقل يستطيع بما لديه من الأفكار الفطرية الأولى أن يدرك الحق فيما يتعلق بالمبادئ الأولى، ويدرك منها وجوده الله، وأما ما وراء ذلك من أسرار الوجود والخلق والخالق المحجوبة عنا بحجب الغيب، فهو أعجز من أن يدرك كُنهها وأحقيتها؛ لأن الحواس لا تدرك غايات الأشياء، ونحن نرى أن العقل قادر على إدراك القوانين، واستنباط الكليات والوعي بالعلل، لو أنه تحرر من ضغوط المكابرة والعناد الإلحادي، (وما لا يستطيعه هو) التفاصيل والجزئيات التي يأتي بها الدين، وتعتبر حقائق الدرجة الثانية، ومن المفروض أن تقبل تبعًا للحقائق الكبرى، كما أن العقل أيضًا وإن كان قادرًا على إدراك وجود الله، فهو عاجز عن إدراك “كنه الله” ولا أعتقد أنه من البحث العلمي في شيء، الإصرار على البحث في “كنه الله” لا لأنه ﴿ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ﴾ [الشورى: 11]، ولا لأنه لا يدرك بالحواس وحسب، بل لأنه لا يوجد عالم طبيعي يستطيع أن يعرف كل شيء عن حقيقة ذبابة واحدة وخواصها، فضلاً عن أن يعرف “كنه ذات الله” وهل يرجو الإنسان الذي لا يعرف المادة، ولا يعرف كيف يعرف، ولا يدرك كيف يدرك، أن يدرك حقيقة الله[4].
________________________________________
[1] انظر: عماد الدين خليل؛ تهافت العلمانية، ص: 27، طبع بيروت.
[2] أنور الجندي؛ الإسلام والتكنولوجيا، نشر مصر، ص: 40، 41.
[3] وحيد الدين خان؛ الإسلام يتحدى، ص:41.
[4] نديم الجسر؛ قصة الإيمان، ص: 131، 205.

 

اكتب تعليق

أحدث أقدم