أزمة التفاهم بين الناس وضياع الأمان والاحترام

أزمة التفاهم بين الناس وضياع الأمان والاحترام


أزمة التفاهم بين الناس وضياع الأمان والاحترام

بقلم: آية محمود رزق

في زمنٍ ازدحمت فيه الأصوات وقلّت فيه القلوب الصادقة، أصبح التفاهم بين الناس عملة نادرة، والأمان شعورًا مفقودًا، والاحترام قيمة تُغتال كل يوم على مرأى ومسمع من الجميع.
صرنا نعيش في عالمٍ يتحدث كثيرًا ولا يصغي، يحكم بسرعة ولا يفكر، ينتقد دون أن يفهم.
تحولت العلاقات الإنسانية إلى حقل ألغام، لا ينجو فيه إلا من يتقن فنّ الصمت، لأن الكلمة الصادقة باتت تُفهم خطأ، والمشاعر النقية تُستغل، والنية الطيبة تُفسّر ضعفًا.

أزمة التفاهم ليست مجرد خلاف في الرأي، بل هي غياب الجسر الذي يصل بين العقول والقلوب. لم نعد نُحسن الإصغاء، ولم نعد نمنح الآخرين فرصة التوضيح، بل نصدر الأحكام كقضاة بلا محاكم.
تبدّلت لغة الحوار إلى مناظرات مليئة بالاتهام، واختفى الإنصات الذي كان يُنبت المودة في القلوب.
حين يغيب التفاهم، يذبل الودّ، ويصبح القرب عبئًا بدل أن يكون سكنًا.

ومن رحم هذا الجفاء، وُلد شعورٌ قاسٍ بعدم الأمان.
الأمان لم يعد في البيوت، ولا في الأصدقاء، ولا حتى في العلاقات التي يُفترض أنها ملاذ.
الأمان الحقيقي أن تشعر أنك مسموع، أنك مفهوم دون شرح طويل، وأنّ هناك من يراك كما أنت دون تجميل أو تبرير.
لكن حين يتلاشى التفاهم، يصبح القلب موحشًا، مهما ازدحم حوله الناس.

أما الاحترام، فهو تاج القيم كلها، الركيزة التي يقوم عليها أي تواصل راقٍ بين البشر.
حين نفقد الاحترام، نفقد كل ما يجعلنا بشرًا.
ليس الاحترام أن نُجامل أو نُخفي غضبنا، بل أن نعترف بحق الآخر في أن يكون مختلفًا، وأن نحفظ كرامته كما نحفظ كرامتنا.
ولكن للأسف، صار البعض يرى الوقاحة شجاعة، والأنانية قوة، ورفع الصوت دليلًا على الحق، فاختلطت المفاهيم وضاعت الموازين.

إنّ ما نعيشه اليوم ليس مجرد أزمة تفاهم، بل أزمة إنسانية عميقة.
حين نفقد القدرة على الإصغاء، نفقد القدرة على الحب.
وحين يرحل الأمان، يرحل معه الاستقرار.
وحين يختفي الاحترام، يختفي معنى العلاقات.
لذلك، فإن الحل لا يبدأ من الآخرين، بل من أنفسنا.
لنُعد بناء الجسور بيننا، بالكلمة الطيبة، بالاستماع، وباحترام الاختلاف.
فالعالم لا يحتاج إلى مزيدٍ من الأصوات، بل إلى مزيدٍ من القلوب التي تفهم وتُقدّر وتُحب بصدق.

اكتب تعليق

أحدث أقدم