مختلفون لنتعارف بقلم: فاطمة زيدان

مختلفون لنتعارف بقلم: فاطمة زيدان



مختلفون لنتعارف
بقلم: فاطمة زيدان
باحثة دكتوراة في التاريخ والتراث
 


قال تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقنَاكُم مِن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلنَاكُم شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا﴾ [الحجرات:13]
في هذه الروح تُولَد السلسلة… سلسلة لا تبحث عن الإختلاف الذي يفرق، بل اختلاف يكشف الآخر ويعرفنا علية، مختلفون لنتعارف عندما يصبح السؤال جسرًا، والحوار مساحة نرى فيها العالم من زوايا جديدة، ونفهم بها الآخر كما هو، لا كما نتوقعه.
"مختلفون لنتعارف" ليست رحلة للجدل، بل محاولة للفهم. نتلقي فيها رؤى متعددة، لفتح نافذة جديدة على التعايش، وفهم التنوع، وتقبل الآخر. إنها نافذة تطلّ على رؤى وتجارب وأساليب حياة قد تُشبهنا وقد تُخالفنا، لكنها دائمًا تُضيف لنا شيئًا جديدًا،  لنستطيع معًا أن نبني معرفة أوسع وفهمًا أعمق… ونصنع مساحة تستحق أن تُقرأ.

وسؤال سلسلتي الأول يبدأ بتساؤل: "هل للأعداء فائدة؟"


وقد توجهت بهذا السؤال إلى أستاذي الأستاذ الدكتور إبراهيم مرجونة، أستاذ التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية الآداب جامعة دمنهور، ووكيل الكلية لشؤون الطلاب سابقًا.. فأجاب:
"وجود أعداء ليس سيئًا تمامًا ولا خيرًا مطلقًا، وإنما يمكن أن يكون ذا منفعة إذا استُغل وجودهم كدافع للتحسين والتطوير والتخطيط السليم، كما يمكن أن يكون مضراً إذا أدى إلى الهلع أو الانغماس في الصراعات، وإهدار الجهد والطاقة والوقت، أو المبالغة في خوف لا مبرر له. الأعداء في التاريخ والحياة دائمًا كانوا جزءًا من معادلة القوة والتحدي، التي إمّا أن تنمّي الإنسان أو تستهلك طاقته. وكل الأمر يرجع إلى المهارة في إدارة الأزمة."

أما من منظوري الشخصي، فأرى أن للأعداء فائدة قد تتجاوز فائدة الأصدقاء. فالصديق كثيرًا ما يغفل عن هفواتنا وزلاتنا، ويُجاملنا أو يدافع عنا أحيانًا، بينما العدو يظل متربصًا، ويراقب خطواتنا، ويكشف أخطاءنا. 
فهم منافسين رائعين لأنهم يساهمون في تسخير روحك التنافسية، وفي بعض الأحيان قد لا تعرف أو حتى قد لا تكون على دراية بوجود هذا الجانب التنافسي حتى تصادف خصما. ومن هنا جاء المثل المتعارف عليه: "امشي عدل يحتار عدوك فيك".
الأعداء، بهذا المعنى، وجود الأعداء يمثل توازنًا في حياة الإنسان؛ فهم يحفّزونه على الانضباط وتجنب الأخطاء، ويجعلونه أكثر انتباهًا، أحيانًا يكونوا سببًا في النجاة من الوقوع في الزلل. فهم جزء من السنة الربانية في الحياة، وهم ضريبة العمل الجاد المُثمر.
فالأعداء يعلموننا الانتباه لما قد يغفل عنه الصديق، فهم لا يغالون في المجاملة، ولا يغفرون الزلل بسهولة، بل يضعوننا أمام الحقيقة كما هي. وجودهم يدفعنا إلى التقييم المستمر لأنفسنا، ويحفزنا على تحسين سلوكنا، وتنمية قدراتنا، وصقل شخصيتنا. وهم بهذا، رغم صعوبة التعامل معهم أحيانًا، يصبحون معلمين لنا بلا قصد، ومرآة صادقة تعكس نقاط ضعفنا وقوتنا، لتصبح حياتنا أكثر توازنًا ووعيًا، وأكثر استعدادًا لمواجهة تحديات الحياة بثقة وثبات.
الأعداء يساعدوننا على ضبط النفس وعدم الانجراف وراء مدح المادحين. لقد قدّر الله تعالى وجودهم لتعديل الكفة، حتى لا يغترّ المرء بالإطراء المفرط أو الثناء المسرف ممن يركزون فقط على محاسننا، بعكس الأعداء الذين يكشفون الجانب الآخر ويضعون الحقيقة أمامنا، ليصبح تقييمنا لأنفسنا أكثر واقعية وإنصافًا.
ليس من الجيد أن يبقى الإنسان وحيدًا مع خطيئته عليك أن تتأمل جيدًا فيما يقوله أعداؤك. صحيح أنهم لا يملكون حقًا ما يستحق الثناء، ولكن ما يخرج من كلماتهم، حتى لو كان بدافع الكراهية، قد يحمل جزءًا من الحقيقة. وكلما سمعت قولًا جارحًا منهم، فكر في نفسك، وقيم أفعالك بصدق. فربما يكون ما يقال صحيحًا، ومواجهة هذه الحقيقة خطوة مهمة لتصبح شخصًا أفضل. الأعداء، بهذا المعنى، يصبحون معالجين بطريقتهم الخاصة، يعلموننا بلا قصد كيف نصقل ذواتنا وننضج.
وأخيرًا، يبقى العدو مرآةً صادقة، وتذكيرًا دائمًا بالانضباط، وبناء الذات، ووسيلة لفهم حياتنا والآخرين بطريقة أعمق..

اكتب تعليق

أحدث أقدم