.الجسد… أعظم مشروع هندسي على وجه الأرض بقلم المهندس صلاح الجنيدي عضو اتحاد الوطن العربي الدولي
مقدمة:حين تتداخل الهندسة مع العلم، ويصبح الإنسان مصنعًا يعمل بإيقاع الخلق.
الإنسان مصنع لاينام …
تخيّل أنك تمسك بمفتاح غرفة التحكم في مصنع ضخم…
مصنع لا يتوقف لحظة، كل مضخة فيه تدور بدقة،
وكل صمام يفتح في اللحظة المناسبة تمامًا.
لكن الأعجب…
أن هذا المصنع ليس خارجك.
إنه أنت.
داخل جسدك تعمل أعقد منظومة هندسية عرفتها الخليقة؛
فأنت — دون أن تشعر — مصنوع بهندسة تفوق كل ما أبدعته يد الإنسان.
أولًا: الغدة النخامية… مهندس الكون الداخلي
غرغة التحكم التي تراقب، وتضبط، وتقرر.
في قلب النظام كله، تجلس غدة صغيرة بحجم حبة حمص…
ومع ذلك فهي تتحكم في كل هرمون، وكل توازن، وكل قرار بيولوجي.
تمامًا كما يضع المهندس عوّامة في خزان المياه لضبط المنسوب،
تستخدم النخامية “عوّامة هرمونية” تحدد:
متى يُفتح الصنبور،
متى يُغلق،
وما هو الحد الذي لا يجوز تجاوزه.
هي لا تنتج كل الهرمونات، لكنها تتحكم في مصانع إنتاجها:
الغدة الدرقية، الكظرية ، الخصيتين …
كأنها وحدة تحكم مركزية تعمل بنظام Feedback Control.
ترى النقص فترفع الأوامر.
ترى الزيادة فتكبح.
وتحافظ على ميزان دقيق يكاد يكون مستحيلاً لو صنعته أيدي البشر.
لمسة فلسفية: قوة الحكمة :
إن أردنا رفع مستوى هرمون معين، فالحل ليس ضخّ الهرمون من الخارج،
بل رفع “منسوب العوامة” نفسها… أي تنشيط الغدة النخامية.
فالهرمون الخارجي أشبه بمن يضيف ماءً لخزان مغلق:
إذا كانت العوّامة تقول للصنبور “أغلِق”،
فلن يتغيّر شيء مهما أضفت.
هذه ليست بيولوجيا فقط…
إنها هندسة النفس والجسد.
ثانيًا: القلب… المضخة التي لا تُهزم ..
ميكانيكا الموائع في أعظم تجلياتها.
أي مصنع يحتاج إلى مضخة.
لكن مضخة تعمل سبعين او ثمانين عامًا بلا توقف؟
لا تسخن، لا تنهار، لا تطلب صيانة؟
هذه ليست مضخة…
إنها أسطورة ميكانيكية تكتب قصتها كل يوم داخل صدرك.
قوانين برنولي، مقاومة الأوعية، تغير السرعة والضغط…
تتعامل معها عضلة بحجم قبضة اليد،
وتضبط أداءها فورًا حسب حاجتك:
خوف، فرح، جهد، راحة.
لا يوجد مختبر قادر على صنع مضخة تقارب كفاءتها.
ثالثًا: الدورة الدموية… شبكة أنابيب أطول من الأرض
هندسة توزيع تعمل بلا توقف.
داخل جسمك شبكة أنابيب تمتد 100 ألف كيلومتر:
شرايين، أوردة، شعيرات…
كلها مواسير دقيقة مُحسوبة القطر واللزوجة والضغط.
تغذي كل خلية، ثم تعود للقلب، ثم تنطلق من جديد…
نظام توزيع لا يتعطل، لا يتسرب، لا يصدأ.
رابعًا: هندسة الأعصاب… كهرباء الجسد الخفية
عندما يصبح التيار الإلكتروني جزءًا من الحياة.
لو نظر مهندس كهرباء إلى الجهاز العصبي…
لرآه لوحةَ تحكم كونية:
الخلية العصبية = سلك حساس
التشابك = مفتاح كهربائي
الإشارة = نبضة إلكترونية
الناقل العصبي = عازل ينظّم التيار
المخ = Main Processor
الحبل الشوكي = Substation
الأعصاب الطرفية = كوابل اتصال فائقة الدقة
الإشارة تتحرك بسرعة 120 مترًا في الثانية
وفي وسط مُحاط بالماء دون أن يحدث ماس واحد!
هذا ليس علمًا فقط…
إنه فن هندسي بديع جمع بين الكيمياء والفيزياء والروح.
الخاتمة: الهندسة… لغة الكون ولغة الجسد ايضا ..
عندما ينظر الطبيب يرى أعضاءً وغددًا.
لكن عندما ينظر المهندس… يرى:
مضخات
صمامات
موائع
حساسات
نظم تحكم
شبكات كهرباء
غرف تشغيل
ويرى فوق كل ذلك:
المهندس الأعلى — الغدة النخامية —
التي تمسك بميزان الهرمونات كما تمسك العوامة بمنسوب الماء.
﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾
وعندما تفهم هذا العمق…
تصبح العناية بجسدك عملاً من أعمال الحكمة،
وترى فيك أنت…
أعظم مشروع هندسي صممه الخالق،
وأعظم معجزة تعمل بصمت تحت جلدك.
﴿وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ﴾

إرسال تعليق